مجزرة سجن الرويمي: أي تداعيات على أعمال القضاء في ليبيا؟


2016-06-21    |   

مجزرة سجن الرويمي: أي تداعيات على أعمال القضاء في ليبيا؟

يقع سجن الرويمي في ضاحية عين زارة جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس ، وتعتبر عدة منظمات حقوقية أنه منذ عام 2011، شهد السجن عدة انتهاكات لحقوق الإنسان بحق السجناء [1]. والمشكلة الرئيسية لهذا السجن هي أن السلطة المشرفة عليه وهي مكونة من مسلحين غير متدربين وبمعنى أدق مليشيا، في حين أن تبعيته الاسمية هي لوزارة العدل التي لا تملك سيطرة فعلية عليه.

وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 2015/6/10، حدثت الكارثة الكبرى. استيقظ سكان العاصمة طرابلس على مشهد مؤلم جدا. وعُثِر على جثث ملقاة في أماكن متفرقة من العاصمة الليبية طرابلس بعد أن تعرضت لإطلاق الرصاص. وقد وصل عددها إلى إثنتي عشرة جثة، إتضح أنها تعود لسجناء أُفرج عنهم بأمر صادر من دائرة الجنايات الأولى بمحكمة استئناف طرابلس في الجناية رقم (2014/245 المدينة)[3]وهي القضية التي عُرفت بقضية (المثابة)[4].وتتعلق وقائع هذه القضية بأنه وأثناء ليلة تحرير طرابلس في 2011/8/20، قام عدد ممن كان يسمى أعضاء اللجان الثورية وفريق العمل الثوري بالتمركز في مقر المثابة بشارع الصريم وكذا على الطريق السريع[5] واستهدفوا أنصار الثورة بوابل من الرصاص أوقع بينهم قتلى. وبعد مقتل القذافي والسيطرة على العاصمة، تقدم أولياء أمور الضحايا بشكوى لمكتب النائب العام الذي فتح تحقيقا حول الواقعة تم حبس بعض المتهمين بتلك الجريمة. وأفرجت النيابة في حينها عن عدد ممن لم يثبت اتهامهم بذلك الجرم، بينما أُحيل الباقون إلى غرفة الاتهام بتهم تتعلق بالقتل جزافاً وتفتيت الوحدة الوطنية وتشكيل تنظيمات غير مشروعة. وهي تهم معاقب عليها بنصوص المواد 206،203،202 من قانون العقوبات وتصل عقوبتها إلى الإعدام. وأحالت غرفة الاتهام بدورها المتهمين إلى دائرة الجنايات بمحكمة إستئناف طرابلس منذ عدة سنوات. وبتاريخ 2016/6/9 ، وتبعا لتحقيقات طويلة، أصدرت هذه الدائرة قراراً بالإفراج المشروط عن اثني عشر متهماً من بين المتهمين. وقد نفذت النيابة العامة قرار تلك المحكمة في تاريخه وهو قرار من صلاحيات المحكمة التي أمامها الدعوى وخاضع لسلطتها التقديرية ولا يملك أحد الاحتجاج  عليه . إلا أن اليوم الثاني للإفراج كان موعداً للمفاجأة الكبرى. فقد تفاجأ الجميع في صبيحة ذلك اليوم بجثث ملقاة في عدة مناطق في العاصمة، وقد تمت تصفيتهم برصاص في الرأس. كما كشفت تقارير الطب الشرعي أن بعضهم تعرّض للتعذيب قبيل قتله، كما ثبت أن بعضهم قتل بتاريخ ظهيرة صدور أمر الإفراج. وبحسب تصريح مسؤول بادارة الخبرة القضائية[6]، تعود هذه الجثث لأولئك الأشخاص المفرج عنهم.

أعادت هذه الحادثة البشعة التساؤل الدائم الذي يهرب الجميع من الإجابة عليه وهو:- مدى تبعية ذلك السجن وغيره من سجون يطلق عليها اصطلاحا مؤسسات الإصلاح والتأهيل داخل العاصمة وكذا بعض السجون في غيرها من المدن في ليبيا لوزارة العدل ومدى السيطرة الفعلية للدولة عليها. فالحقيقة التي يرفض الكثيرون البوح بها ربما مكابرة أو تجاهلا أن تلك السجون ومن بينها السجن محل الواقعة لا تخضع إطلاقا لسلطة القضاء والنيابة العامة وهي الجهة المخولة قانوناً بسلطة التفتيش عليها وزيارتها وتلقي الشكاوى عملاً بالمواد 33،32 من قانون الإجراءات الجنائية.

بل إن تلك السجون ومنها سجن الرويمي – عين زارة البركة – يتعرض فيه السجناء لعمليات تعذيب واعتقال تعسفي مطول بحسب تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش يوثق زيارتها للسجن وغيره من السجون داخل العاصمة و مصراتة بتاريخ سبتمبر 2015. وقد تحدث ذلك التقرير عن وجود 1975محتجز بتلك السجون التي زارتها المنظمة قبعوا في السجن لأربع سنوات دون المثول أمام القضاء أو الحصول على شكل من أشكال المراجعة القضائية أو توجيه اتهام لهم ودون سند قانوني ظاهر لاحتجازهم. وهو ما يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية بحسب تقرير المنظمة الذي أثبت تعرض المحتجزين لأشكال متعددة وبشعة للتعذيب الظاهر على أجساد بعضهم. [7] وهي جرائم معاقب عليها بحكم المواد 435،434،433 من قانون العقوبات الليبي ولا تسقط تلك الجرائم بمضي المدة عملاً بحكم القانون رقم 11 لسنة 1427. وتعد هذه الجرائم جرائم ضد الإنسانية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم بمفهوم إتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة[8]. وكذلك هي أفعال مُجرمة بنص المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . وبالعودة إلى أثر كل تلك الانتهاكات التي بدأت تطفو على السطح، سيؤدي غياب الإشراف القضائي على مؤسسات الإصلاح والتأهيل إلى تغول تلك المجموعات التي تدير السجون وتأبى حتى تنفيذ أوامر السلطة القضائية. بل ووصل بها الأمر حدّ مراقبة وتقييم أعمال هذه السلطة والاحتجاج عليها.بالمقابل، ستؤدي هذه الأفعال إلى ردود فعل من رجال القضاء أصبحت مطروحة في مجتمعاتهم وعبر مناقشاتهم في صفحات التواصل الاجتماعي من بينها تعليق العمل أو وقفه حتى لا يكونوا مشاركين في تلك الأفعال بالسكوت عنها[9]. وقد أدان المجلس الأعلى للقضاء وكذا وزارة العدل وعدد من القضاة تلك الأفعال[10].
ورغم إعلان مكتب النائب العام لفتح تحقيقات جنائية حول الواقعة [11]إلا أن ذلك لم يهون من هول الكارثة والتي لم تكن تداعياتها على المستوى القضائي فقط  بل تجاوزت ذلك الى المستوى السياسي  حيث تفاعلت معها الأطراف السياسية بإصدار البيانات والتصريحات الصحفية[12].  ولم يقتصر ذلك على الإطراف الليبية فقط بل حتى المبعوث الاممي مارتن كوبلر تفاعل مع الحادثة وطالب بتحقيق فوري وشفاف [13].

وتأتي هذه القضية في ظل متابعة دولية لنظام العدالة في ليبيا وحيدته واستقلاله خاصة وخصوصا في ظل مطالب محكمة الجنايات الدولية في أن يُحاكم أمامها بعض رموز النظام السابق. وهي تفرض تعديل الأولويات والعمل على معالجة ما يبقى عموماً مسكوتاً عنه وهو وضع السجون الخارجة عن سيطرة القضاء الفعلية والمادية والقانونية.
وقد أصبح من الضروري التنبه إلى أهمية فحص أهلية العاملين في هذه السجون وإعادة تدريبهم ونزع أسلحتهم وإدماجهم من جديد وجبر الضرر الذي نتج عن تلك الانتهاكات بعد محاسبة المسؤولين عنها … كل ذلك بهدف استعادة الثقة بقدرة القضاء على تأمين حقوق المواطنين وحرياتهم ورفع الظلم عنهم.
 
 
 
 



[1] تقرير هيومن رايتش وتش الصادر بتاريخ ديسمبر 2015 يتضمن وصفاً لوضع سجن الرويمي وأوضاع السجناء فيه وفي غيره من السجون في طرابلس ومصراته بعنوان ( انتظار أبدي ) https://www.hrw.org/ar/report/2015/12/02/284034
 
[5]حادثة شهيرة وقعت أيام الثورة الليبية وأثناء الاشتباكات بطرابلس
 
[6]تصريح منشور على صفحة المنظمة الليبية للقضاة بتاريخ 2016/6/12 https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1372231879460223&id=504909442859142#
 
[7]تقرير هيومن رايتش وتش الصادر بتاريخ ديسمبر 2015 يتضمن وصفاً لوضع سجن الرويمي وأوضاع السجناء فيه وفي غيره من السجون في طرابلس ومصراته بعنوان ( انتظار أبدي ) https://www.hrw.org/ar/report/2015/12/02/284034
 
[8] وكانت ليبيا انضمت ليبيا إلى هاتين الإتفاقيتين في 1989/5/16.
 
[9]اراء لبعض اعضاء الهيئات القضائية عبر صفحات التواصل الاجتماعي
 
[10]بيان المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا منشور على صفحة المنظمة الليبية للقضاة بتاريخ 2016/6/13 https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1372231879460223&id=504909442859142#
 
 
 [11]http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/108593/  مكتب النائب العام يشكل لجنة تحقيق في واقعة "سجناء الرويمي"
 
[12]المجلس الرئاسي ومجلس النواب والحكومة المؤقتة  الاحزاب السياسية http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/108565/
 
[13]موقع بوابة الوسط http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/108564/
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، ليبيا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني