تونس الأولى عربيا في حرية الصحافة: أي موقع للإعلام التونسي في الانتقال الديمقراطي؟


2016-06-20    |   

تونس الأولى عربيا في حرية الصحافة: أي موقع للإعلام التونسي في الانتقال الديمقراطي؟

كشف التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود في 30 أفريل 2016 عن تصدر تونس لأول مرة في تاريخها دول المنطقة العربية في حرية الصحافة. ويعتبر هذا الأمر مبدئيا مؤشرا على تطور أداء الاعلام التونسي على نحو من شانه أن يغير النظرة القديمة التي طالما التصقت بالصحافة التونسية.

يفسر تطور تصنيف "حرية الإعلام التونسي" بما تحقق بعد الثورة التونسية من مناخ حريات عامة كان من أهم مظاهرها اعتماد التعديل الذاتي في قطاع الإعلام السمعي البصري ومبدأ الحرية في غيرها من وسائل الاعلام. ويعد تطور "مؤشر حرية الاعلام" من مظاهر نجاح الانتقال الديموقراطي في تونس. لكن هذا النجاح الذي يستند لتراجع تحكم "أجهزة الرقابة في الاعلام" يحجب هشاشة الإعلام التونسي الذي يعاني فعليا من تغير آليات التدخل فيه.

يكون التدخل في أغلب صوره ناعما ويتمثل أساسا في صناعة "إعلام البروباغندا". وحسب السيد يوسف الوسلاتي، عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، فقد ارتبط تنامي ما يسمى بصناعة البروباغندا بمدى بروز مصلحة رأس المال ومصلحة الفريق الحاكم في أي حكومة صعدت بعد الثورة. فالحكومات المتعاقبة عطّلت على امتداد مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وفي كثير من الاحيان كل المبادرات الدافعة نحو التطوير التشريعي والسياسي للإعلام من أجل تحويله الى إعلام "بروباغاندا" حسب محدثنا.
من ناحية أخرى، ما زالت قوى رأس المال وأصحاب الأعمال يواصلون سعيهم لوضع اليد على الصحافيين أو وسائل الاعلام. ومثلهم مثل موظفي الدولة والوزراء، نجح هؤلاء بشكل كبير في تكوين لوبيات خاصة بهم تدافع عن مصالحهم وتبيَض أعمالهم. وقد أصبح الإعلام الخاص في حالات عدة منبرا لتصفية الحسابات الاقتصادية والسياسية. بل عمدت عديد اللوبيات الاعلامية إلى اصطناع أزمات لإلهاء الرأي العام كلما شعرت أن مصالحها في خطر.

وبالتالي، فإن ما تقوم به الحكومة أو اطراف داخلها الى جانب أصحاب المال السياسي المهيمنين على بعض وسائل الاعلام هو مؤشر جدي على أن الاعلام ما زال في مرمى من يعادي حرية الصحافة والاعلام والمعايير الدولية لأخلاقيات المهنة. وفي هذا الاتجاه، صرح لنا السيد الوسلاتي بأن الاختراق المالي والسياسي لوسائل الاعلام أصبح معطى مقلقا بعد نجاح مجموعات مالية وسياسية عديدة في تطويع عدد من وسائل الاعلام في تونس لخدمة أجنداتها."وتم هذا الاختراق بواسطة المال حيث ترفض عدة وسائل إعلام كشف موازاناتها المالية، فضلا على أنه جرت عملية بيع وشراء لإذاعات من قبل رؤساء أحزاب بطرق ملتوية فيها تحايل على القانون والتفاف على فصوله.
في هذا الصدد، يقول الصحافي وليد الماجري عن تجربة موقع انكفادا الذي شارك في نشر وثائق بنما التي تتعلق بتونس للمفكرة القانونية: "منذ نشر المقال الأول حول السيد محسن مرزوق مؤسس حزب (حركة مشروع تونس)، تمّت قرصنة الموقع من قبل مجهولين ومن ثمّ نشر أسماء وهمية مثل اسم الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي من أجل خلط الحابل بالنابل وضرب مصداقية الموقع وبالتالي مصداقية التحقيقات. بالإضافة إلى شنّ حملات شعواء في شبكات التواصل الاجتماعي من أجل ثلبنا وتشويهنا والتحريض ضدنا. وقد شاركت في هذه الحملة القواعد الحزبية من مختلف الألوان السياسية التي أتينا على ذكر بعض المحسوبين عليها في أوراق بنما. وقد ارتقت الحملة من الانترنت الى الاعلام الكلاسيكي المأجور من صحف ومواقع وفضائيات واذاعات، حيث كانت تنظّم بلاتوهات كاملة لتشويهنا والادعاء بأننا نسمسر بالتحقيق. وقد نجحوا نسبيا في تحويل وجهة الرأي العام من الاهتمام بالمسائل المتعلقة بالتهرب الضريبي الى قضايا جانبية تتعلق بالحياة الخاصة للصحفيين الذين اشتغلوا على التحقيق. وبعد فترة من التعمق في التحقيق، بدأت تصلنا تهديدات بالقتل على شبكة الفايسبوك وقد اعتبرنا أن ذلك يدخل في إطار محاولة ترهيبنا وثنينا عن مواصلة عملنا".

إن التهديد بالإعتداء والقتل لفريق صحفي من أجل كشفه حقائق معينة يجعل حرية الصحافة في تونس مهددة بالتراجع بما يؤكد أن حصول تونس على المرتبة الأولى عربيا في حرية الصحافة يؤشر إلى أوضاع الحرية الإعلامية السيئة في هذه الدول أكثر مما يؤشر إلى تحرر الصحافة والصحافيين في هذا البلد من خطوطها الحمراء ومنزلقاتها الكثيرة.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني