شبهة فساد ورشاوى تلحق أعضاء مجلس نواب الشعب في تونس


2016-06-13    |   

شبهة فساد ورشاوى تلحق أعضاء مجلس نواب الشعب في تونس

قالت وكالة تونس أفريقيا للأنباء أن النائب المستقل، عدنان الحاجي، طالب  بتاريخ 31 -05 2016، خلال جلسة عامة خصصت للاستماع إلى عدد من الوزراء، بفتح تحقيق ضد الخبير الاقتصادي معز الجودي بعد تصريحاته التي اتهم فيها بعض النواب بتلقي رشاوى لإسداء خدمات وتعيين مواعيد للمواطنين مع مسؤولين في الإدارة. وفي هذا الصدد، شدد النائب عدنان الحاجي على ضرورة إحداث لجنة على غرار اللجنة المتعلقة بالتحقيق في أوراق «بنما» للتحقق من المسألة والفصل بين النواب المذنبين والأبرياء.

النواب يتبادلون تهم الفساد والرشوة
أما النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو وهي جزء من المعارضة البرلمانية فقد دعت المجلس إلى تقبل ما يوجه إليه من اتهامات في ظل غياب الشفافية وعدم تصريح بعض النواب بالممتلكات وأشارت إلى تتبع كل من لم يمتثل لمقتضيات الدستور بخصوص التصريح على الممتلكات، متهمة في هذا الإطار بعض النواب بتلقي رشاوي قصد تمرير قوانين داخل المجلس ودعم لوبيات فساد.
وفي السياق نفسه، طالب النائب رمزي الخميسي بضرورة التحرك في شأن تصريحات زميلته النائبة سامية عبو بخصوص تمرير مشاريع قوانين بعد تلقيهم لرشوة داعيا إياها إلى تقديم الأدلة مؤكدا أن ما أدلت به تحت قبة البرلمان يكتسي خطورة. أما النائب عن كتلة الحرة محمد الطرودي وهي جزء من الاتلاف الحاكم  فقد ساند زملاءه من النواب بخصوص التحقيق في الإتهامات الموجهة إلى النواب، كما دعا إلى ضرورة تقديم إجابة واضحة من المجلس بخصوص لجنة التحقيق المتعلقة بهيئة الحقيقة والكرامة.
من جانبه، أكد رئيس مجلس نواب الشعب أنه سيتصل بالنيابة العمومية بخصوص هذه المسألة للقيام بإجراءات التتبع بعد أن لاقى الإقتراح إستحسانا من قبل عدد من النواب مضيفا أن المجلس سينظر على مستوى المكتب في هذه الإتهامات لإتخاذ الإجراءات اللازمة.

الخبير الاقتصادي يرد ويتهم
من جهته، عبر الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية التونسية للحوكمة معز الجودي عن استغرابه من ردة فعل النائب عدنان الحاجي قائلا: "لماذا لم يتكلم الحاجي عندما قال أحد النواب إن هناك نوابا يتلقون أموالا مقابل خروجهم من كتلة وذهابهم إلى أخرى، ولماذا لم يطالب بفتح تحقيق في حق أحد النواب والمتهم بقضايا فساد ولم يطالب برفع الحصانة عنه حتى يحاكم؟"
واعتبر الجودي في تصريح لموقع "حقائق أون لاين" أن عدنان الحاجي يقوم بهرسلة ضد المجتمع المدني كالتي كان يمارسها ضده الرئيس السابق بن علي، مبينا أن المجتمع المدني ليست له من مصلحة في فضح الفساد وكشفه سوى تحقيق بناء ديمقراطي للدولة. كما أكد أن الجمعية التونسية للحوكمة التي يترأسها تلقت شكاوى من مواطنين ومسؤولين عبروا فيها عن تذمرهم من بعض النواب الذين طلبوا رشاوى مقابل تنظيم لقاءات مع مسؤولين، مضيفا أن هناك بعض المواطنين قدموا أسماء لنواب طلبوا رشوة لإسداء خدمات لهم. وبين الجودي أن الجمعية تعمل حاليا على توثيق الشهادات التي تتلقاها من قبل المواطنين وهي بصدد الإعداد لملف شامل عن هذه التجاوزات وستقوم بتقديمه للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وتُضاف هذه الشبهة إلى الشكوى المتعلقة بهيئة الحقيقة والكرامة والمطالبة بإحداث لجنة تحقيق في شبهة فساد صلب الهيئة. وفي هذا الصدد، قال الناصر إن الشكوى معروضة على مكتب المجلس لكن بعض النواب ممن أمضوا على عريضة الشكوى طالبوا بتأجيل النظر فيها.

معطيات مذهلة تكشفها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد
وفي ما يتعلّق بالمال السياسي، وصف رئيس الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد شوقي الطّبيب المعطيات المتوفّرة حول هذه المسألة بـ”المخيفة”، خصوصا وأنّ 52% من الاقتصاد الوطني يسيطر عليه النشاط الموازي بما في ذلك التهريب والفساد. وأضاف أنّ الهيئة تشتغل على هذا الملف. وهو ما جعلها مصدر قلق بالنسبة إلى البعض، وهو ما يفسّر التهديدات التي تطال الهيئة، وذلك على حدّ تعبيره. وفي هذا الصدد قال الطبيب “تمّ، مؤخّرا، قلعُ باب منزلي وألقي به بعيدا عن محلّ سكناي وتعرّض مغلاق خزّان الوقود في سيّارتي إلى الخلع والتهشيم”، مؤكّدا أنّ هذه الحركات لا تخيفه ولن تثنيه عن القيام بدوره. وفي ذات السياق، كشف الطبيب عن بعض الملفات التي تناولتها الهيئة والتي فاق عددها 3600 ملف، 70 % منها خارج اختصاص الهيئة. وأوضح أنّ هذه الملفات كان يمكن أن تدرّ على الدولة مليارات من المليمات والدنانير.

وقد تمّ الكشف بحسب رئيس الهيئة عن شبكة لبيع وثائق الإعفاء من الجباية في القباضات الماليّة، تُسقط مستحقات ضخمة للدولة. ووفق الطبيب، شملت أعمال الفساد ملفات الانتدابات في الوظيفة العموميّة وفي مؤسسات عموميّة مثل شركتي الماء والكهرباء العموميتين وغيرهما. وكذلك كشفت الهيئة أيضا بحسب تصريحات رئيسها شبكة تقوم بحجز اللّحوم الفاسدة وبيعها للمبيتات الجامعيّة إضافة إلى ملفات أخرى تتعلّق بالتلاعب في بيع الأدوية. غير انه تحفّظ عن ذكر تفاصيل أكثر حول هذه الملفات نظرا إلى أنها أحيلت على أنظار القضاء، مشيراً إلى أنّ النيابة العمومية والقطب القضائي والقضاة عموما يقدّمون مساعدات للهيئة في التكوين وفي جوانب أخرى من العمل، وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى هيئات الرقابة الماليّة ودائرة المحاسبات.أمّا في ما يتعلّق بملفّات فساد النظام السّابق، فقد تمّت إحالتها على هيئة الحقيقة والكرامة. واعتبر الطبيب "العراقيل التي تتعرّض إليها الهيئة أمرا عاديّا لأنّها تواجه أناسا لهم أموال ونفوذ وذهنيّة لم تقطع مع الفساد بل اشتدّ ارتباطها به أكثر في السنوات الأخيرة”.
وبقطع النظر عن صحة الاتهامات الصادرة سواء عن الخبير الاقتصادي أو عن السيد شوقي الطبيب فانه كثيرا ما تصبح هذه التهم داخل البرلمان نفسه جزءا من الصراع السياسي بين الكتل النيابية إذ إن ما قالته النائبة عن المعارضة سامية عبو لا يخرج غالبا عن صراع  الأجنحة. غير أنه وبالرغم من ذلك،  فإن ما يلفت الانتباه هنا هي التبعات المنجرة عن هذه الشكوك التي يمكن أن تثيرها هذه الشبهات حول عمل البرلمان نفسه وهو المطالب قبل غيره بمقاومة الظاهرة والتحقيق في شأنها كلما تطلب الأمر ذلك.

الجهة المطالبة بالتحقيق في شبهات الفساد متهمة بالفساد
وتأتي هذه الاتهامات مع انطلاق أعمال اللجنة البرلمانية الخاصة المكلفة بقضية أوراق بانما. فقد أكّد أحمد السعيدي رئيس لجنة التحقيق حول موضوع الفساد المالي والتهرّب الضريبي "أوراق بنما" خلال ندوة صحفية ظهر الاثنين 30 – 05 2016 أن اللجنة قررت عقد مجموعة من جلسات الاستماع في إطار ما يخوّلها به القانون، وستنطلق في ذلك بداية من الأسبوع القادم.وأضاف انه تقرر الاستماع إلى المسؤولين عن موقع انكيفادا، وسيكون ذلك في إطار السرية التامة مع التعهد بتوفير الحماية البرلمانية إلى كل المستمع إليهم من صحفيي الموقع وذلك بهدف الحصول على معطيات إضافية أكثر مما نشر في تحقيقاتهم، مبيّنا أنه سيتم الاستماع إلى المسؤوليين والشخصيات التونسية الذين وردت أسماؤهم في ما يعرف بملف "اوراق بنما". وأوضح أن خصوصية أعمال اللجنة تفرض عليها السرية إلى حد بلوغ الحقائق، وستتم إحالة تقرير في الغرض إلى السلطة القضائية مشيرا إلى أن مهام اللجنة تحقيقية وليست قضائية كما أنها لن تحاسب المتورطين بل ستقوم بدورها البرلماني الذي ينص عليه الدستور والقانون.
وبين رئيس اللجنة أن هناك مشروع قانون لتنظيم أعمال اللجان بصدد الدراسة لدى لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بمجلس نواب الشعب سيعطي صلاحيات أوسع للتحقيق أمام اللجنة وذلك سيمكنها من العمل بأكثر أريحية.
وبيّن مقرر اللجنة السيد زهير الرجبي في رد على سؤال إعلامي أن إقرار سرية أعمال اللجنة منصوص عليه في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، مشيرا إلى أن الهدف من السرية هو حماية الأشخاص والمعطيات الشخصية

وأبرز السيد الطاهر فضيل مقرر مساعد لجنة التحقيق حول موضوع الفساد المالي والتهرّب الضريبي الذي تمّ الكشف عنه في ما يسمّى "أوراق بنما" ومدى تورّط تونسيين في الموضوع، أن دور اللجنة هو البحث عن القرائن والأدلة مع التأكيد على سرية أعمالها، موضحا أن الأصل في أعمال التحقيق السرية. وهو متعارف عليه في التجارب المقارنة: فكل لجان التحقيق سرية إلا إذا ما ارتأت اللجنة الكشف عنه في إطار عملية إنارة الرأي العام باستثناء المعطيات الشخصية.

 ويخشى في ظل الشبهات التي طالت النواب أنفسهن ألا تسفر أعمال اللجنتين سواء التي يمكن أن تحدث بخصوص الشبهات المرتبطة بالنواب أو اللجنة التي تشكلت قصد النظر في قضية أوراق بانما عن نتائج مجدية إذ فشلت كثير من لجان التحقيق التي شكلها البرلمان سواء أيام المجلس التأسيسي أو مجلس نواب الشعب في الوصول إلى اية نتيجة تذكر. بل أن هذه اللجان تحولت في كثير من الأحيان إلى وسيلة ناجعة  لقبر الحقائق ودفن الأسرار.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني