“المفكّرة” تحاور أبو كسم حول الإعتداء الجنسيّ في الكنيسة: لدينا إجراءاتنا العقابيّة. لكن “لبنان بلد صغير، لا تحرّش فيه”


2016-06-07    |   

“المفكّرة” تحاور أبو كسم حول الإعتداء الجنسيّ في الكنيسة: لدينا إجراءاتنا العقابيّة. لكن “لبنان بلد صغير، لا تحرّش فيه”

بعدما أدان “مجمع العقيدة والإيمان” في الفاتيكان الأب اللبنانيّ منصور لبكي بجرم التحرّش بأطفال كانوا برعايته، صار من الصعب على الواقع اللبنانيّ تجاهل أسئلةٍ كثيرة حول موقف الكنيسة اللبنانيّة من جريمة التحرّش، دورها في مكافحته داخلها وداخل مؤسساتها لا سيما دور الرعاية، وآلياتها المعتمدة في محاسبة مرتكبيه.

والى دور الكنيسة، يبرز دور القضاء المدنيّ في دولةٍ قائمة سياسيّاً وخدماتيّاً على ما يسمّى بالتوازن الطائفيّ: هل من حصانةٍ غير محكيّةٍ للمؤسسة الدينيّة، على إختلاف الأديان والطوائف، تنسحب على رجال الدين كأفراد، بما يميّزهم عن سواهم من المواطنين؟ ما هي الآلية العقابية المتّبعة كنسياً في المحاسبة، وما هي سياسة الردع والوقاية القائمة راهنا، وما هي طبيعة العلاقة بالقضاء المدنيّ في هذا الصدد؟
حملت “المفكّرة القانونيّة” هذه الأسئلة وسواها إلى رئيس “المكتب الكاثوليكيّ للإعلام” الأب عبدو أبو كسم، لتستبين منه موقع الكنسيّ من جريمة التحرّش الحاصلة داخلها. وإذ سعينا لسوق قضيّة لبكي كمثالٍ يمكن أن تقاس عبره جديّة الكنيسة أو عدمها في مقاربة التحرّش، إلا أن الأب أبو كسم حدّد عدم تناول قضيّة الأب منصور لبكي كشرطٍ لإجراء الحوار. وقد فاجأنا بجملةٍ من الإفتراضات، كخلو الكنيسة اللبنانيّة من التحرّش لصغر حجم لبنان وضيق إمكانيات كتم السرّ فيه، قد تضع عوائق أمام مكافحة التحرّش، ولو أن الأب أبو كسم أكّد أن الكنيسة تدينه.
وإلى خلو الكنيسة اللبنانية من التحرّش، شرح أبو كسم الآلية المعتمدة كنسياً في المحاسبة في حال ثبت تورّط رجل دين بـ”الملامسة” أو “العملية الجنسية الكاملة”: يُحاكم داخلياً، وإذا ثبت تورّطه وطاله الحكم الكنسيّ، تُرفع عنه حصانةٌ غير مرئيّة وقوامها السريّة الداخلية، لتخرج القضية إلى الحيّز العام وقضائه المدنيّ. تلك هي الآلية الممكنة في محاسبة رجال الدين هنا، ولم يسجّل أبو كسم حصول واقعة تحرّش تعتبر كسابقةٍ نستدلّ إليها في القول بأن محاسبة رجل الدين مدنيّاً على جرم التحرّش ممكنة في لبنان.

قبل الخوض في فحوى المقابلة، يهمّ “المفكّرة” أن تسجّل التحفّظ على الإستخدام السائد لكلمة “بيدوفيليا” (إشتهاء الأطفال) بصفتها دالّةً على الإعتداء الجنسيّ بحقّ الأطفال. في واقع الحال، “بيدوفيليا” تدلّ على حالةٍ مَرَضيّة وفرديّة، بينما الإعتداء الجنسيّ المتكرّر داخل المؤسسات الدينيّة بات خللاً منهجيّاً، باعتراف مرجعيّة روما وإعتذار البابا فرنسيس العلنيّ عنه (نيسان 2014).

  • لا حماية جديّة للأطفال في الكنيسة من التحرّش

يستخدم أبو كسم تعبير “بيدوفيليا” السائد (إشتهاء الأطفال) للدلالة على جرم التحرّش في الكنيسة. يعرّف أبو كسم البيدوفيليا كـ”جريمة، سواءً كانت مرضاً نفسياً أو رغبةً جنسيّةً شاذّة”. مفاعيل التفرقة بين “البيدوفيليا” بمفهومها العام وبين فهم الإكليروس لها تتجلّى على صعيد العقاب الذي يتلقاه المرتكب. فلمّا يكون المتحرّش رجل دين، “يكون له عقابٌ في الكنيسة، تتفاوت وطأته بحسب درجة الفعل والضرر الناتج عنه”.
وقبل التوسّع بالعقوبات الكنسيّة، لا بدّ من التوقّف عند محطّات في حديثه بلورت تعريفه للتحرّش بالأطفال. فعلى ضوء الكلام عن أسباب تفشّي هذه الإعتداءات داخل الكنيسة الكاثوليكيّة، يعزّز أبو كسم تعريف الحالة كإضطرابٍ أو “مرضٍ نفسيّ” تتعدّد أسبابه: “نفسيّة، كأن يعاني الشخص من مرض البيدوفيليا، أو عقدة معينة، أو ردّ فعلٍ على تعرضه للتحرّش وهو صغير، كما يمكن أن تكون الوحدة هي السبب”. من الأسباب المحتملة أيضاً، بحسب أبو كسم، “الكبت الجنسيّ الذي يعيشه الكاهن المتبتل[1]، وهناك أشخاصٌ لا يستطيعون العيش خلافاً للطبيعة. لكن تحرّشهم بالأطفال هو حالةٌ شاذة ومخالفة للطبيعة”. وفي السبب الأخير، يميّز أبو كسم عرضاً بين الكنيسة الغربيّة والشرقيّة: “القانون لا يسمح للكهنة في الغرب بالزواج قبل دخولهم الكهنوتيّة.

أسباب التحرّش التي يسوقها أبو كسم لا يراها تخفيفيّةً للجرم، “فالكاهن بالنسبة إلى أيّ شخصٍ آخر هو صورة الله ونموذج الرحمة والمحبة والأبوة والقداسة”. وهي أسبابٌ تعبّر حصراً عن رؤيته الفرديّة، إذ أنها لا تنتج عن أيّ دراسةٍ باشرتها الكنيسة كبادرةٍ علميّة وعمليّة لحلّ مشكلة تفشّت داخلها. على الأقل، “لا فكرة” لدى أبو كسم عن وجود هكذا دراسة. ويدلّ ذلك على عدم وجود جديّةٍ في التعامل مع المسألة، أقلّه بالمعنى المنهجيّ لآليات وضع الحلول. في المقابل، تكمن إيجابيةٌ في عدم تحويل الأسباب إلى مبرّرات، وفي إدراك أبو كسم أو الكنيسة لتوازنات القوى داخلها. ما يستدعي المزيد من البحث في مدى ترجمة هذا الإدراك إلى تعزيزٍ لإجراءات الحماية والمحاسبة المتخذة من قبلها.
لكن غياب الدراسات ليس إستثناءً، لا سيما وأن إجراءات كثيرة غيرها لم تلحظها الكنيسة. فمثلاً، لم تضع أيّ إرشاداتٍ واضحة حول كيفيّة التعامل مع هذا النوع من الجرائم للحدّ منه. يوحي أبو كسم بانعدام الحاجة لإرشاداتٍ شبيهة ما دام الفاعل سيلقى عقاباً. حتى أن الأشخاص المعنيين في الكنيسة تبدو متابعتهم هشّة إن في التعامل مع المشكلة أو في التوعية حولها: فيقول أبو كسم أن “لا تعاطي لي مع دور الرعاية والمدارس، ولا أعرف إن كانت هناك خطوطٌ عريضةٌ تحكم الأساليب التربويّة وتشجّع الأولاد على البوح في حال تعرّضهم لأيّ تحرّش”.. أما العظات الدينيّة – كأضعف الإيمان – فهي بدورها “لا تتطرق لهذا الموضوع”.

أما إمكانية إستمرار الجريمة بسبب وجود متكتمين عليها فغير متوقّعٍ أساساً بالنسبة إلى أبو كسم: الإعتماد هنا على الضمير، وـ”ضميرياً، لا يمكن لشخصٍ أن يغطّي على التحرّش بطفل”، وفقاً لتكهّن أبو كسم. وبينما يقول الأخير ذلك، تلمع جملة إحدى السيدات المدّعيات على الأب منصور لبكي في أفق الحديث: “عندما أخبرت الراهبة، أجابت بأن هذا ضعفٌ بشريّ، ويجب أن تسامحي”[2].
بالنتيجة، لا تبادر الكنيسة الكاثوليكيّة إلى إيجاد حلولٍ وقائيّة تقضي على الـتحرّش بالأطفال في دورها الرعائية وفي مجالها الحيويّ والدينيّ. في المقابل،هي تكتفي بمجموعة عقوباتٍ نبرز هشاشتها لاحقاً في النصّ، وبـ”إعتذار البابا، وهو غاية في الأهمية” بحسب أبو كسم،  كما بالتعويض على الضحايا وإتاحة الإمكانية لمعاقبة المرتكب أـمام القضاء المدنيّ.
يمكن تلخيص تقصير الكنيسة في إستخدام أبو كسم لمعادلاتٍ حسابيّة بغية القول بأن “الكهنة الذين يعانون من البيدوفيليا لا يتخطى عددهم نسبة ضئيلة من مجمل الكهنة”. بهذا المعنى، تصبح 4000حالة تحرّش سجّلت في العام 2002[3] مجرد تفصيلٍ أمام عدد الكهنة الذي يتخطى 30 ألفاً*، وفقاً لأبو كسم. والأسوأ يكمن في مواجهة أبو كسم لبعض الأسئلة بإجاباتٍ مثل: “في لبنان، هناك الكثير من المتحرّشين. لماذا التركيز على الكنيسة؟”. وأيضاً، “هل طرحتم الموضوع لدى الإسلام؟”.
بالنتيجة، لا يبدو أن الكنيسة تبذل جهداً يذكر للقيام بإجراءات وقائيّة تمنع وقوع جرائم تحرّش بالأطفال. لكنها، كما سبقت الإشارة، تُخضع المرتكبين لمؤسّسةٍ عقابيةٍ خاصّة بها. فكيف تعاقب الكنيسة الكاهن المتحرّش بالأطفال؟

  • عقاب الكنيسة لكاهنها المتحرّش: كيف يكون؟

يوضح أبو كسم أن العقوبة التي تنفّذ بحقّ “كهنة متهمين بالبيدوفيليا”على صعيد الكنيسة هي بالمبدأ “الحطّ من الرتبة الكهنوتية[4]. كما سمح البابا بمحاكمتهم مدنياً. في هذه الحالة، ترفع الكنيسة الحصانة عن المتهم”. ولكن، أيّ حصانة هذه التي يتمتع بها رجل دين أمام القانون المدني؟ مصدر هذه الحصانة هو “القوانين الكنسيّة. وعلى الدولة التي تُطبق فيها هذه القوانين أن تحترمها”. والمعادلة هنا معكوسة، بحيث تخضع فيها الدولة للكنيسة، وليس العكس كما هي الحال في الدولة المدنيّة، لا سيما وأن القانون المدنيّ اللبنانيّ لا يمنح حصانةً لرجال الدين. وإذا كانت الدولة تخضع للكنيسة في لبنان، فكيف يتوقع أحد أن تحاسب أفرادها متى أخطأوا؟ “إن ملاحقة رجل دين من الكنيسة الكاثوليكية عن “أي جرم، مقصود أو غير مقصود، تحتاج لإذن من رئيسه الكنسيّ”، يقول أبو كسم.
بهذا المعنى، يعتبر أبو كسم الكنيسة الكاثوليكية منفتحة على الدولة. لكن حتى الوصول إلى هذه النتيجة يتوقف على التحقيقات التي تجريها الكنيسة داخلياً، لتثبت تورّط الكاهن المتهم. إن إدانة الكاهن تؤدي إلى معاقبته، “حسب نوع الجرم وخطورته. فإذا ارتكب فعلاً جنسياً مع الضحية، يحطّ من درجته الكهنوتية. أما لو اقتصر الأمر على ملامسة والكلام المثير وبشكل متكرّر فيتم عزله عن محيطه ليتوب ويصلي ويبقى تحت رقابةٍ وإشرافٍ لإصلاحه تدريجياً”. اللافت أن هذه العقوبات تستند إلى نصوصٍ متعلّقة بجرائم الشكّ والعار في مجموعة قوانين الكنيسة الشرقيّة. وفقاً لأبو كسم، “لا يوجد في القوانين الكنسيّة نصًّ محدد يتعلق بالبيدوفيليا، فقط الإجتهادات الصادرة عن محاكم مجمع العقيدة أو مجمع الأسرار أو محكمة الأساقفة، وهي مستمدة من القانون العام”.

والحال أن إدراك الكنيسة لحساسيّة موقع رجل الدين بالنسبة إلى المؤمنين لم يرشدها لا إلى تشريعٍ واضحٍ خاصّ بهذه الجريمة، ولا إلى إجتهادٍ متشدّدٍ يلائم وطأة “الملامسات والكلام المثير” الذي يوجّهه راشدٌ لطفل على هذا الأخير. ويأتي إمتناع الكنيسة عن نبذ رجل دين متحرّش ليعني تحصين أفعاله بسريّة تحقيق الكنيسة، فيدلّ على هشاشة المؤسسة العقابيّة التي يخضع لها رجل الدين المتحرّش بأطفال. وهي تحتاج فقط إلى المزيد من السريّة لتنعدم فائدتها تماماً. فما حدود السريّة بالنسبة إلى الكنيسة، على هذا الصعيد؟
ينفي أبو كسم وجود سريّة حول هذه المواضيع. فعندما تنتهي التحقيقات ويصدر قرار، “لماذا قد يتسر الباب؟”. يضيف: “أولاً، لم يعد الشخص في الحالة الإكليريكية. ثانياً، لا يجب أن يتم التستر”. أن يرى أبوكسم أنه “لا يجب التستر”، فهذا على الرغم من أهميته يبقى مجرد رأي في حضرة فضائح التحرّش الكبرى. أما ربط إنتفاء الحاجة إلى السرية بقرار إخراج المتحرّش من الجسم الكهنوتي فيعني أن كلّ من يبقى داخل هذا الجسم محميّ بالسريّة. بناءً عليه، لو سلمنا أن الحطّ من الدرجة يحصل من دون فضائح تسبقه بناءً على تحقيق تلقائيّ داخل الكنيسة، فإن أيّ جريمة لا تستلزم الحطّ من الدرجة، كالـ”الملامسات”، تترك مرتكبها محمياً في إطار السريّة. ما يعزز هذه الفرضية هو التعامل مع هذه الجريمة على أنها إساءة للكنيسة. وهذا شكلٌ من أشكال التماهي مع الفاعل، واعترافٌ ضمنيّ بالتشارك بالخطأ. بكلماتٍ أخرى، لو وقفت الكنيسة كمؤسّسة في مواجهة رجال الدين المتحرشين بإعتبارهم خصمها اللدود، لما صح القول بأنهم يسيئون للكنيسة. لكن الأخيرة إكتفت بنفيهم خارجها.
كيف تتعامل الكنيسة مع هذه “الإساءة”؟ يجيب أبو كسم: “الكنيسة لا تتعاون مع الجهات المدنية، الكنيسة ترفع يدها عن الكاهن وتعيده إلى العلمانية”. عندها، يكون للقضاء أن يحاكمه “كأيّ مدنيّ”. وعندما يعلم أيّ شخصٍ داخل الكنيسة بوجود حالة تحرّش، لا يتوجب عليه إبلاغ السلطات المدنية المختصة، بل “عليه أن يبلغ السلطات الروحية العليا”.

  • “ليست لدينا هذه المشكلة في لبنان”

الإنتقال من معالجة المسألة من شمولية الكنيسة الكاثوليكية الجامعة على صعيد العالم إلى “خصوصية” الكنيسة اللبنانية، يبرز حالة إنكارٍ لوجود المشكلة في لبنان.
يقول أبو كسم أن “ظاهرة البيدوفيليا ليست متفشية هنا، فلا حالات ظاهرة”. والسبب، وفقاً لأبو كسم، هو أن لبنان “بلد صغير. أيّ شخص يتصرّف تصرّفاً مثيراً للشكّ فيه، يعرف مباشرةً”. ثم أن الكهنة في لبنان “يتلقون التنشئة في المدرسة الإكليريكية، حيث يخضعون للمتابعة، فيُستبعد من يوحي بميول جنسية منحرفة”، بحسب أبو كسم. ويشرح أن هذه التنشئة تدوم لسبع سنوات، “فتقطع الطريق بنسبة 90 في المئة على هذه الحالات”. عند هذه النقطة، يبدو نقل الحديث بصيغة المقابلة أفضل وأكثر أمانة.

·        المفكّرة: لكن، ألا تتم تنشئة الكهنة في أماكن أخرى سجّلت فيها جرائم تحرّش، بالطريقة ذاتها؟
·        أبو كسم: من الممكن أن تختلف التنشئة بين دولة وأخرى، من الممكن أيضاً أن يؤثر عدد طلاب الكهنوت بين الخارج وهنا.
·        المفكرة: ألا يوجد معايير موحّدة لتنشئة الكهنة؟
·        أبو كسم: بلى، المعايير ثابتة بالتأكيد… يمكن في تلك الدول أن يتعرّض الأشخاص لحالاتٍ نفسية معينة أو ضغوطات وإكتئاب.
·        المفكرة: هل هذه الأمور لا تحصل في لبنان؟
·        أبو كسم: …

عند هذه النقطة، فضّل أبو كسم أن يذهب إلى التساؤل عن سبب “التركيز على الكنيسة”. واللافت أنه لم يستدع هنا تمييزه السابق في الخصوصيّات ما بين الكنيسة الشرقيّة والكنيسة الغربيّة لناحية فرض الأولى البتولة على الكاهن، ولا عاد إلى تصنيفه الإختلاف كعنصر ضمن أسباب الإعتداء، مثلما اقترح في مستهل المقابلة. ويبدو ذلك لافتاً لأن التبتل هو عنصر تمايزٍ فعليّ، لا بد أن يكون مساهماً في الأثر، من دون أن يؤدي وحده بطبيعة الحال إلى تثبيت أو نفي التحرّش بالأطفال داخل الكنيسة اللبنانيّة كجزءٍ من الكنيسة الشرقيّة. غير أن تجنّب طرح هذا التمايز هو تجنّبٌ لفتح نقاشٍ نقديّ، يساهم في حلّ المشكلة. هكذا يحلّ مديح الذات محل نقدها، وهذه ليست بشرة خير في مثل هذه القضايا.
وما دام أبو كسم لم يأتِ على ذكر التبتل، يصبح السؤال أشدّ إلحاحاً حول العنصر الذي يميز لبنان فعلاً في السياق. لماذا لا توجد حالات تحرش في الكنيسة اللبنانية، بينما تضجّ الكنيسة بهذه الحالات في باقي دول العالم؟ هل تتم التغطية عليها بإحكام؟
قضية الأب منصور لبكي، في تفاصيلها وفي كيفية التعاطي القضائين الكنسيّ والمدنيّ معها، كفيلة وحدها بالإجابة على هذا السؤال. فكيف ستتعامل الكنيسة اللبنانية في حال بدأت الدعوى ضد كاهنٍ لدى القضاء المدنيّ؟ وهل تجد الكنيسة أنه يتوجب على القاضي المدني أن يعتبر نفسه مختصاً أم لا للنظر في قضايا متعلقة برجال دين؟ كيف يبرز التعاون هنا؟

خلافاً لحديثه السابق عن الحصانة وأهمية تحقيقات الكنيسة، يقول أبو كسم بصيغةٍ عامة أن “الكنيسة تحتكم للقضاء المدني، الداخلي والخارجي، فهي تحترم السلطات القضائية”. إذاً، هل تأخذ المحكمة بقرارٍ صادر في هذا الموضوع عن دولةٍ أجنبية (فرنسا)؟ هنا، لا تأتي الإجابة مطابقة للصيغة العامّة: “هذا استدراجٌ للحديث عن قضية لبكي. موضوع لبكي تحقيقاته حصلت في الخارج، وقراراته أيضاً، على صعيد المحكمة الفرنسية وعلى صعيد الفاتيكان. نحن ككنيسة نلتزم بما يقول الفاتيكان، وأبونا منصور يلتزم بقرار الفاتيكان”. إن الإبقاء على الصمت الحياديّ في قضية تحرّشٍ تتعلق بشخصية كنسيّة ـكلبكي، وعدم طرحها للنقاش رغم خروجها إلى الحيز العام منذ مدة، هو خير دليلٍ على تكتّمٍ أنكره أبو كسم، تماماً كما أنكر وجود الجرم من أساسه في الكنيسة اللبنانيّة.

نشر هذا المقال في العدد | 39 | أيار/مايو 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

حالة إعتراضيّة ضد اعيان النظام.

 


[1]الكاهن المتبتل هو الكاهن الممتنع عن الزواج.
[2]– برنامج حكي جالس، يقدمه جو معلوف، يعرض على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسالLBC، عنوان التقرير: شهادات جديدة الى العلن وأسباب صدور مذكرة توقيف بحق الأب منصور لبكي، تاريخ البث 3 أيار 2016، من شهادة الضحية مارلين غانم.
[3]رشا الأمين، عندما ينحرف رجال الدين نحو الجريمة الجنسية، موقعnow، 30 تشرين الأول 2013
* يمكن مراجعة مقال ريما شري، فضائح القساوسة الجنسية تهز الكنائس الكاثوليكي وإتهام الفاتيكان بالتستر على المتهمين، القدس العربي، 9 آب 2014. ويلقي المقال الضوء على إحصاءات لسنين مختلفة  بالاضافة الى تعليق البابا في هذا المجال.
[4]–  يعرف أبو كسم الحط من الدرجة الكهنوتية على أنها اخراج الكاهن من الاكليروس واعادته شخص علماني.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني