مقترح قانون المساواة بين الجنسين في الارث في تونس: فكرة ولدت لتموت


2016-05-06    |   

مقترح قانون المساواة بين الجنسين في الارث في تونس: فكرة ولدت لتموت

توصل عضو مجلس الشعب التونسي مهدي بن غربية خلال الساعات الأولى من يوم 04-05-2016 إلى اقناع النصاب الأدنى الواجب قانونا من زملائه النواب لتعهيد المجلس التشريعي بنص المبادرة التشريعية التي بادر لصياغتها وتخص اقتراح اصلاح تشريعي يرسي المساواة في الإرث بين الجنسين في قانون المواريث. لم يستمر هذا النجاح طويلا. فخلال ذات اليوم، أعلن رئيس كتلة نواب الجبهة الشعبية النائب منجي الرحوي أن اعضاء كتلته ممن  تبنوا المتقرح التشريعي تولوا سحب إمضاءاتهم.
لم تخفِ كتلة حزب حركة النهضة بالمجلس التشريعي رفضها لفكرة المبادرة التشريعية. وينسجم هذا الموقف مع مرجعية الحزب ومواقفه السابقة. فحزب حركة النهضة ذو مرجعية اسلامية وقد تمسك بشكل مستمر ومستقر برفض فكرة تعديل أحكام الارث في تونس بشكل يخرج هذا القانون عن أحكام الشرع الإسلامي. تحمس في الجهة المقابلة وفي مرحلة أولى نواب كتلة الجبهة الشعبية لفكرة المبادرة التشريعية، و بدا هذا التحمس أيضا منتظرا وذلك لاعتبارات تتعلق بمرجعيات الكتلة وأدبياتها. فكتلة الجبهة الشعبية تضمّ الجانب الأكبر لنواب الأحزاب اليسارية التي توصف محليا بالتقدمية نسبة لطرحها المجتمعي والسياسي، وقد دافعت الأحزاب المكونة لهذه الكتلة في أدبياتها على فكرة المساواة بين الجنسين.
وكما لم يكن متوقعاً أن يصادق المجلس التشريعي على المقترح التشريعي باعتبار تركيبته والتحالفات السياسية التي تحكم عمله، فإنه لم يكن منتظرا أن يعود نواب الجبهة الشعبية لسحب توقيعاتهم على مقترح قانون يختزل جانبا من طرحهم المجتمعي. برر رئيس كتلة نواب الجبهة الشعبية الخطوة المفاجئة بما ذكر أنه "رائحة أجندة مشبوهة اشتمها في المبادرة". ويلتقي هذا التبرير مع ما تمسكت به  عضو مجلس نواب الشعب السيدة يمينة الزغلامي المنتمية لحركة النهضة والتي اعتبرت أن "توقيت طرح المبادرة كان غير مناسب وأنه في صورة عرضها، فإنها ستؤدي لأن تستباح البلاد من المتطرفين".
توافق  الشقان السياسيان رغم تباعد مرجعياتهما في أكثر المواضيع خلافية بينهما بشكل ينهي فعليا مسار المبادرة التشريعية الخاصة باقتراح المساواة في الإرث بين الجنسين في ذات يوم انطلاقتها. وتذكّر هذه النهاية غير الصاخبة والسريعة بمآل فكرة مشروع قانون القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة الذي ادعت الحكومة التونسية سنة 2014، أنها ستعرضه كمشروع قانون يحقق المساواة بين الجنسين في الإرث من خلال الوصية. ويتمثل وجه الشبه أن الحكومة ممثلة في وزارة المرأة استثمرت حينها في فكرة مشروع القانون دعائيا دون أن تعرضه لاحقا على المجلس التشريعي.
يؤشر تكرار انكسار مشاريع القوانين التي تطرح فكرة المساواة بين الجنسين في الارث قبل عرضها على المجلس التشريعي على الأزمة التي آل اليها الخطاب الحقوقي النسوي في انعكاسه السياسي. فذات السياسي الذي يستثمر في الخطاب الحقوقي فيطرح فكرة المساواة الكاملة بين الجنسين في منتدياته وتصوراته يعود سريعا ليتنازل عن هذا الشعار بمجرد تجسده في مشروع قانون. وقد تكون حسابات السياسي الانتخابية العامل الذي يفسر حالة انفصام الخطاب عن الممارسة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني