(القضاء التونسي) نواب المجلس التأسيسي في تونس ينقسمون حول استقلالية القضاء..


2012-08-03    |   

(القضاء التونسي) نواب المجلس التأسيسي في تونس ينقسمون حول استقلالية القضاء..

لم يتوصل نواب المجلس الوطني التأسيسي التونسي بعد جلسات متكررة إلى توافق يسمح بتمرير قانون الهيأة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي. انقسم النواب بين أقلية تساند الرأي القائل بضرورة أن تكون الهيأة التي سيعهد لها بالإشراف على القضاء العدلي مستقلة هيكليا عن وزارة العدل وأغلبية تنتمي للأحزاب الحاكمة ترفض هذه الاستقلالية وبرر أعضاؤها موقفهم  بضرورة إبقاء القضاء تحت رقابة السلطة التنفيذية لأنه جزء من مخلفات النظام البائد. لم تنجح الأغلبية في التوصل للنصاب اللازم لفرض تصوراتها فيما تمكنت الأقلية من فرض اعتراضها على التعاطي السلبي مع مطلب استقلال القضاء. كشف النواب من مناقشاتهم التي استمرت لعدد من الجلسات عن مآخذهم عن القضاء العدلي فذكروا انه كان أداة وظفتها سلطة الاستبداد لقمع معارضيها وتمسكوا بطلب تطهيره وضرورة تطويره لغاية تأسيس سلطة قضائية تحمي الحريات وتحظى بثقة المتقاضين. انقسم المتدخلون بين شق ينادي بضرورة توفير الشروط الموضوعية لاستقلال القضاء وشق يرفع شعار الإصلاح قطرة قطرة وينادي بتأجيل استقلال القضاء إلى حين.
لم يتمكن نواب الشعب من تجاوز عقبة الفصل الأول من القانون بعد أن تبين أن الاختلاف بينهم أدى الى تآكل الأغلبية المطلقة التي يتحصن بها الائتلاف الحاكم وبين التصويت عن الفصل المذكور أن مسانديه لم يتمكنوا من جمع الأغلبية اللازمة لتمريره. تذمر نواب الأغلبية وأدانوا ما اعتبروه دورا سلبيا لعبته جمعية القضاة التونسيين وأفضى الى تعكير الأجواء داخل المجلس. لم يرحب نواب حزب النهضة أكبر كتلة برلمانية منذ البداية بقبول أعضاء المكتب التنفيذي لجمعية القضاة لدعوة رئيس المجلس الوطني التأسيسي وحضورهم كضيوف بقبة البرلمان. حاولوا التشويش على وجودهم ورغبوا في إخراجهم من المجلس لكن المضيف تمسك بالدعوة وعدد من النواب كذلك وأصر الضيوف رغم التصريحات التي صدرت وعبرت عن التبرم من وجودهم على البقاء ومواكبة الأشغال. نجح الضيوف فيما يبدو بفضل نشاطهم  في الكواليس من إقناع عدد هام من النواب بضرورة أن تتوفر للهيأة شروط الاستقلالية الهيكلية وأن يكون بعثها إعلانا للقطع في التداخل بين القضاة ووزارة العدل.
لم تتوقع الأغلبية الحاكمة أن يكون رفضها لاستقلالية الهيأة التي ستشرف على القضاء العدلي سببا في أول انتكاسة تعرفها كتلتها النيابة. حاول ممثلوها التخفيف من وقع تصريحات نوابها خلال الجلسات السابقة فذكروا أنهم يشتركون في الدفاع عن استقلال القضاء ولا يرغبون في الهيمنة عليه وأن رفضهم لاستقلالية الهيأة يعود لأسباب تتعلق بطابعها المؤقت وبعدم إمكان توفير الإمكانيات المالية لتحقيق ذلك.
طالب الشق الذي عارض ونجح في التصدي أن يرجع مشروع القانون للجان الفنية لتتولى تطويره ليكون مستجيبا لشروط استقلالية القضاء وانتهى الأمر إلى اضطرار رئاسة المجلس إلى رفع جلسة يوم 2 اوت (أغسطس، آب) 2012 لإعادة التشاور بين رؤساء الكتل النيابية لغاية إيجاد مخرج يسمح بتجاوز الأزمة كما وجهت دعوات لهياكل القضاة على عجل لمزيد من التشاور.
بين الخلاف أن التعاطي مع ملف اصلاح القضاء مسألة سياسية بامتياز. كما كشف عن ريبة السياسيين ازاء دعوات استقلال القضاء وخشيتهم من ذلك رغم تمسكهم برفع شعار استقلال القضاء. وكان في مجاهرة عدد هام من النواب برفضهم لفكرة استقلال القضاء بحجة الفساد الذي يوجد فيه صدمة كبرى للقضاة الذين لم يتوصلوا لفهم المقصود من ذلك. انتظر القضاة طويلا بعث هيأة الاشراف على القضاء العدلي وطلب منهم أن يبدوا اراءهم فصاغت جمعية القضاة ونقابة القضاة مشاريع قوانين كانت تطمح أن تؤسس لقضاء يتوافق مع أرقى معايير استقلال القضاء. طال الانتظار وأتت ساعة الحسم وكانت المفاجأة أن عددا هاما من النواب الذين تدخلوا في الجلسة العامة انطلقوا من تقييمهم السلبي لأداء القضاء التونسي خلال الحقبة الاستبدادية ليصلوا للتصريح علنا للمكاشفة برفضهم الحديث عن  استقلال القضاء: ذكروا ان القضاة فاسدين ومنحهم الاستقلالية سيجعلهم يؤسسون دولة قضاة ورفضوا مجرد التنصيص على صفة مستقلة تسند لهيأة الاشراف على القضاء العدلي.
كانت الى حد جلسة يوم 2 أوت معركة استقلال القضاء هم القضاة والمجتمع المدني لكن يبدو أن ساحة المعركة تغيرت وأضحى الأمر بيد نواب الشعب ولو الى حين. ربما كان النزاع على الاستقلالية الهيكلية لهياة الاشراف على القضاء العدلي في ظاهره صراع بين انصار نظرة واقعية تتمسك بان الهياة هيكل مؤقت يجب الاسراع ببعثه ليتمكن من اجراء الحركة القضائية قبل نهاية العطلة القضائية وبداية السنة القضائية الجديدة في 15 سبتبر 2012 وأنصار شق يتمسك بالمبادئ ويرفض التضحية بالاستقلالية ولو مرحليا. الا أن تمحيص النظر في مواقف النواب الذين تمسكوا بضرورة تبعية مجلس القضاء لوزارة العدل يبين أن استقلالية القضاء وان كانت شعارا اشترك الجميع في ترداده الا أنه واقع  لا يرغب الحاكم في تحقيقه. رفض نواب الأغلبية الحاكمة صراحة القبول بفكرة استقلال القضاء وادعوا انهم يؤجلون الأمر الى حين الفراغ من تطهير القضاء. بدت الأغلبية الحاكمة كمن يتصدى لاستقلالية القضاء خوفا من سلطاته وبدا أن هذه الاغلبية انفصمت داخليا فأعضاؤها يؤيدون القانون لما لمسوا فيه من تأجيل لاستقلالية القضاء وقادتهم يدفعون تهمة ذلك ويذكرون أنهم أسسوا لاستقلالية القضاء وأن استقلالية الهيأة معركة مفتعلة غايتها تشويه مواقفهم .
وتصدت أقلية هامة من النواب جمعت عددا من نواب الائتلاف الحاكم وعددا من نواب المعارضة لتتمسك بضرورة تحقيق الانتقال من القضاء الذي يتبع الادارة الى القضاء المستقل. بين هذا الشق أن حديث الاستقلالية التدريجية وهم وكذبة، فالقضاء حاله احدى حالتين اما أن يكون مستقلا أو غير مستقل والمسار الديموقراطي يستوجب الاستقلالية وهذه الاستقلالية لا تتحقق الا بالتبني الكامل لمبادئ استقلالية القضاء.
 بينت أزمة 2 أوت 2012 أن الدفاع عن استقلالية القضاء وجد له في المجلس الوطني التأسيسي أنصارا وأن عسر مخاض إصلاح القضاء لا يجب أن يدفع للخوف من مستقبل حرب استقلالية القضاء وقد أصبح لانصار الاستقلالية القدرة على المشاركة في صنع القرار ولو كانوا أقلية كما كشفت ذات الأزمة للقضاة أن من تعاملوا بسلبية مع استحقاقاتهم استندوا الى أمرين أولهما ان الثقة في مهنية القاضي التونسي ونزاهته اهتزت كثيرا بسبب تاريخ هذا القاضي الذي كشف تبعيته للسلطة في الحقبة الاستبدادية بشكل خذل الحركة الحقوقية وأدى لتورطه في المنظومة الاستبدادية وثانيهما أن القضاة الذين انقسموا اثر الثورة الى هياكل تتناحر فيما بينها ويخون كل منها الآخر لم ينجحوا في صياغة صورة جديدة للقضاة تعيد تأسيس الثقة بين القضاة والمتقاضين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني