عدم وضوح خطة “التربية” يفاقم كارثة الشهادات الرسمية جنوبًا


2024-04-19    |   

عدم وضوح خطة “التربية” يفاقم كارثة الشهادات الرسمية جنوبًا
تلميذة في مركز إيواء

يقترب العام الدراسي من نهايته، وتلامذة الشهادات الرسميّة وأساتذتها جنوبًا لا يزالون ينتظرون تدابير الوزارة الموعودة التي من المفترض أن تراعي أحوالهم. فحتّى اللحظة تبدو الصورة غير واضحة إذ أنّ كلّ ما أعلنت عنه الوزارة هو أنّ امتحانات الثانوية العامّة قائمة وأنّه “سيكون هناك أحكام خاصة بترشيح التلامذة للامتحانات الرسمية في العام 2024، وفي نوع هذه الامتحانات للتلامذة الذين لم يتابعوا الدراسة حضوريًا بسبب أوضاع أمنية نشأت في النطاق الجغرافي الذي تقع المدارس المسجّلين فيها ضمنه”.

وفي حين أعلنت الوزارة “الاستعاضة عن الامتحان الرسمي للشهادة المتوسطة في العام 2024 بامتحان تكون الأسئلة في كل من مواده موحّدة” لم تعط أيّ تفاصيل عن كيفيّة إجراء هذا الامتحان ولاسيّما جنوبًا، واكتفت بذكر أنّه “يُجاز لوزارة التربية والتعليم العالي أن تحدّد لتلامذة المدارس التي لم ينتظم التعليم الحضوري فيها خلال العام الدراسي الحالي بسبب أوضاع أمنية تابعوا دراستهم في ظلّها، نوع الامتحان الرسمي، أو الموحّد، الذي يجب أن يخضعوا له، والمواد ومضامينها التي يشتمل عليها، والشكل الذي يقتضي أن يتمّ إجراؤه وفقًا له”.

وبحسب معنيين في الشأن التربوي ستعتمد الوزارة في تحديد شكل الامتحان في شهادتي البريفيه (المتوسط)  والثانوية العامة ومواده جنوبًا، على ساعات التدريس وما تمّ إنجازه من المنهج باعتبار أنّ التعليم انتظم فيها ولاسيّما في شهر تشرين الثاني إذ اعتمدت المدارس الواقعة على الخط الممتدّ من الناقورة إلى كفرشوبا، أي المتاخمة للحدود، التعليم عن بُعد، فيما التزمت المدارس التي تقع على عمق أربع كيلومترات وأكثر نحو الداخل، بالتعليم الحضوري.

ويتحدّث تلامذة وأساتذة من الجنوب تواصلت “المفكرة القانونية” معهم عن “عام دراسي مش طبيعي بكلّ تفاصيله”، وعن عام هو “الأقسى عليهم”. يُخبرنا بعضهم عن ليالٍ لم يغمض لهم فيها جفن بسبب أصوات الطيران والقصف والخوف المرافق لها، عن جهود بذلوها لأشهر محاولين التركيز مع الأساتذة في مدارس سقطت بالقرب منها قذائف، وفي صفوف يأتي إليها زميل استشهد أحد أفراد عائلته وآخر دّمّر بيته، أو التعلّم عن طريق شاشة في إحدى غرف مراكز إيواء بالكاد تتّسع لهم مع عائلاتهم، وعبر إنترنت، إذا توفّر، تشوّش عليه طائرات لا تفارق سماء قراهم.

عام دراسي غير طبيعي 

تتابع دِيا، وهي طالبة ثانوية عامة، دروسها عن بعد في الثانوية الرسميّة في كفرشوبا، قريتها التي نزحت منها إلى حاصبيا حيث تُقيم في أحد مراكز الإيواء مع أفراد عائلتها الستّة في غرفة واحدة. التحقت دِيا بمدرستها بعد شهر ونصف الشهر من بداية العدوان على غزة وما تلاه من اعتداءات طالت جنوب لبنان وقريتها من ضمنه: “يعني التحقت بالتعليم بعد مرور حوالي فصل كامل في مدارس المحافظات الأخرى البعيدة عن العدوان”، تقول.

لم تكن تجربة التعليم عن بعد، هذه المرة، هي الأولى بالنسبة إلى دِيا، ولكنّها كانت الأصعب مع النزوح، فهي تضطرّ إلى الجلوس مع إخوتها الثلاثة في الغرفة ليتابعوا كلّهم وفي الوقت نفسه دروسهم عن بعد، ما يجعل الأمر مهمّة شبه مستحيلة، فضلًا عن ضعف شبكة الإنترنت وانقطاعها المتكرّر “نحن لا نملك اشتراك إنترنت أصلًا، نأخذ من الغرفة الملاصقة، ولكنّها لا تتحمّل كلّ هذا الضغط، إذا فتح أحد أخوتي فيديو مثلًا خلال الدرس تنقطع عندي وعند إخوتي”، تضيف.

لا تقف العوائق التي واجهتها دِيا خلال العام على تبعات النزوح أو غياب مقوّمات التعليم عن بعد فقط، إذ هناك جانبًا آخر تعتبره الأهم وهو الجانب النفسي الذي تلخّصه بخوف وقلق مستمرّين يمنعانها من التركيز: “صراحة، خلال الدرس يعلو فجأة صوت غارة أو دوي قذائف قريبة، ننسى الدرس، ونبدأ نسأل أنفسنا إن كان استشهد أو أصيب أحد نعرفه، أو إذا إن كان منزلنا قد دُمّر، وإن كنّا آمنين”.

قد يبدو وضع سارة موسى وهي طالبة شهادة ثانوية أيضًا، أفضل بالشكل إذ إنّها تُقيم في منزلها في قرية حلتا التي عادت إليها بعد نزوحها منها إلى البقاع حوالي شهرين انقطعت خلالهما عن التعليم. إلّا أنّ تفاصيل معاناتها هي ذاتها، كونها التحقت أيضًا بالثانوية لمتابعة دراستها عن بُعد بعد حوالي شهرين من بدء العدوان، وتواجه كذلك مشاكل في الإنترنت: “إذا طلعت طيّارة، وطبعًا بتطلع طيارات كتير، بيختفي الإنترنت” تقول.

وتُضيف سارة ملخّصة وضعها ووضع زملائها من تلامذة الجنوب “أصلًا مين بعد بيركّز إذا طلعت طيّارة، بين الخوف على أنفسنا وعلى من نحبّهم وعلى منازلنا، يضيع الدرس”. 

لا يبدو الوضع أفضل بالنسبة للتلامذة الذين يتابعون حضوريًا، إذ تتحدّث ريم، وهي والدة تلميذة صف تاسع، عن صعوبة تواجهها ابنتها في تحصيل المعرفة والمهارات المطلوبة بسبب النزوح المتكرّر وتغيير المدرسة، والأهم بسبب الرّعب المستمر من غارة أو قذيفة. نزحت ريم وعائلتها، من بلدتهم حولا بعد أيام على بدء العدوان، واستمرت بالتنقل من مكان إلى آخر خلال الشهرين الأوّلين، ما تسبّب بانقطاع ابنتها عن التعليم، لتعود بعدها وتتابع عن بُعد في مدرستها. 

“لم ينفع التعليم عن بعد، الإنترنت والظروف لم تساعدنا، التحقت ابنتها حضوريًا بمدرسة دير كيفا الرسمية قبل حوالي 6 أشهر، تحديدًا بعدما استقرّينا في بلد خربة سلم” تقول، مشيرة إلى أنّ الأمور تسير بأقلّ الممكن “نتنقّل من منزل إلى آخر، كنّا عائلة في غرفة واحدة، اليوم أفضل، ولكن يبقى البيت ليس بيتها، والخوف والرعب يسيطران عليها (على ابنتها)، كيف يمكن أن تركّز في صف وأنت ترى مسيّرة من شرفته؟ أو تسمع صوت قصف قريب؟”. 

وليس بعيدًا تسأل منال، نازحة من حولا ووالدة لتوأم في البريفيه، عن أي عام دراسي يمكن أن نتحدّث وطفلاها لم يلتحقا بالمدرسة إلّا منذ 4 أشهر. فهي نزحت بداية إلى النبطية، ومن ثمّ عادت إلى حولا، وبعدها استقرّت في مجدل سلم حيث يلتحق ولداها بمدرسة القليعة الرسمية. تتحدّث منال عن صعوبات عدة يواجهها ولداها، إذ كان زملاؤهما في الصف قد قطعوا شوطًا في المنهاج عندما تسنّى لهما الالتحاق بالمدرسة، فكان من الصعب عليهما مجاراة التلامذة الآخرين، فضلًا عن الحالة النفسية تحت دوي القصف خلال التواجد في قاعات التدريس. يُضاف ذلك إلى شعورهما بالغربة والفَقد ومنزلهما في حولا لم يعد صالحًا للسكن. تروي منال الكثير عن حال ولديها النفسية، تقول إنّ وضعهما اليوم أفضل قليلًا، ولكنّ ابنها ما عاد يهتم إلّا بما يحصل حوله. “أولادنا كبروا بهالحرب بيناقشوا بالسياسة، وبيهتمّوا بشو عم بصير، ابني بيقلّي خديني عمطرح ما في حرب، هذا همّه. كيف يمكن أن يستوعب درسه؟”.

غياب الرؤية عبء إضافي في الحرب

حتّى اللحظة لم تعلن وزارة التربية أيّ تفاصيل عن الشهادة الرسمية جنوبًا، ولكنّ المدير العام للوزارة أوضح الأربعاء 17 نيسان الجاري في مقابلة تلفزيونيّة أنّ امتحانات الشهادة الثانوية ستُجرى قبل عيد الأضحى وخلال الأسبوعين الأوّلين من شهر حَزيران المقبل في كلّ المحافظات باستثناء الجنوب بانتظار قرار من وزير التربية، وأنّه لن يكون هناك مواد اختياريّة.

وكان وزير التربية أعلن بداية الشهر الجاري عن نصّ مشروع المرسوم المتعلّق بالامتحانات الرسمية، الذي أقرّه مجلس الوزراء والذي نصّ على الاستعاضة “في العام 2024 عن الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة، امتحان موحّد الأسئلة لكلّ المواد لتلامذة الصف الأساسي التاسع، تعدّها المديرية العامّة للتربية، ويواكب إجراؤه من قبل كل مدرسة رسمية أو خاصة تعتمد المنهاج اللبناني”.

وتابع الوزير أنّه “إضافة إلى امتحاناتهم المدرسية النهائية، يخضع التلامذة المسجّلون في الصف الأساسي التاسع في العام الدراسي الحالي للامتحان الموحّد الأسئلة” و”يُجاز لوزارة التربية والتعليم العالي أن تحدّد لتلامذة المدارس التي لم ينتظم التعليم الحضوري فيها خلال العام الدراسي الحالي بسبب أوضاع أمنية تابعوا دراستهم في ظلّها، نوع الامتحان الرسمي، أو الموحّد الذي يجب أن يخضعوا له، والمواد ومضامينها التي يشتمل عليها، والشكل الذي يقتضي أن يتم إجراؤه وفقًا له”.

 وكان المرسوم ذكر في مادته الأولى أنّه على المدارس الرسمية والخاصّة أنْ ترشّح “التلامذة كافة في الصف الثانوي الثالث المسجّلين بصورة مبرّرة لدى كل منها في العام الدراسي 2023-2024 للامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامّة بفروعها الأربعة” ما يؤكّد أنّ امتحانات الثانوية العامّة قائمة.

رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد يؤكّد أنّ هناك تدابير خاصّة يُعمل عليها بخصوص تلامذة الشهادات في الجنوب وأنّه من المفترض أن تُعلن قريبًا، مشيرًا إلى أنّ هناك 30 مدرسة في قضاء النبطيّة و10 مدارس في لبنان الجنوبي، اعتمدت التعليم عن بعد، بينما باقي المدارس التزمت بالحضور وكان الوضع شبه منتظمًا.

ويوضح جواد أنّه لا يوجد رقم نهائي لعدد تلامذة الشهادتين المتوسطة والثانوية في محافظتي الجنوب حتى الآن، ولكن كمعدّل وسطي حسب السنوات الماضية، هناك حوالي 12 ألف تلميذ في الشهادة المتوسطة، في حين لا يصل العدد إلى 5 آلاف في الشهادة الثانوية. وعن الامتحان الموحّد وتفاصيله يوضح جواد أنّها غير واضحة حتى الآن.

وفي ظلّ هذا الواقع، يُكرّر من التقيناهم من تلامذة الشهادة الثانوية الرسمية أو الصف التاسع استغرابهم من تأخّر وزارة التربية بإعلان الإجراءات التي تنوي اتخاذها والتي من المفترض أن تراعي أوضاعهم الاجتماعيّة والنفسيّة، معتبرين أنّ هذا يزيد وطأة ما يعيشونه حاليًا: “إذا كانت الوزارة تنوي حذف مواد فلماذا لم تبلغنا حتّى اللحظة، ونحن بدأنا متأخرين أصلًا ولم ننه المنهاج بعد”، يقول طالب ثانوية عامة نازح إلى النبطيّة لـ “المفكرة” مضيفًا “نحن لا ينقصنا قلق فوق قلقنا، لماذا لسنا أولويّة، متى يخبروننا بمصيرنا؟، وهل من العدل إجراء امتحانات لنا في ظلّ الأوضاع الأمنيّة التي نعيشها”. 

وفي هذا السياق يعتبر مدير ثانوية  كفرا الرسميّة الدكتور فؤاد إبراهيم أنّه كان حريًّا بوزارة التربية والجهات المعنية أن تعدّ خططًا تربوية احتوائيّة تأخذ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعيّة والنفسيّة لتلامذة الجنوب عامّة بعين الاعتبار. وكان يجب أن تكون هذه الخطّة جاهزة بعد أيّام من بدء العدوان. ويشير في حديث مع “المفكرة” إلى أنّه حتى اليوم وعلى أبواب انتهاء العام الدراسي لا خطة للامتحانات في صفَّي التاسع والثالث ثانوي جنوبًا، فحتّى تقليص المناهج ولوجستيات الامتحانات لم يُعلن عنها بعد.

ويُشدّد إبراهيم على ضرورة معاملة طلاب أقضية بنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون قاطبة، ومعهم جزء من قضاء صور، على أنّهم طلاب مناطق منكوبة، وأنّ الإنصاف يكون بمنحهم شهادات من دون امتحانات.

ويعتبر إبراهيم أنّ هناك تجاهلًا لما يحدث مع تلامذة الجنوب، إذ إنّ الوزارة شكّلت لجانًا للحذف من المناهج من دون مشاركة مديرين أو أساتذة من المناطق المعنيّة، وهم، بديهيًا، أكثر الأشخاص قدرة على نقل ما تلقّى التلامذة من معارف، وعن أوضاعهم  في ظلّ النزوح والاعتداءات. ويشدد على أنّ الوزارة تعتمد على أيّام الحضور، وعلى ماذا أُعطيَ لتلامذة الجنوب من المنهاج، في وقت ليس المعيار عدد أيام فتح المدارس، أو حجم ما تمّ إنجازه، بل مدى الحضور الحقيقي للتلامذة ومدى وصول الأهداف والمعارف المطلوبة إليهم في ظلّ الحرب، وإذا ما طبّقنا المعيار الأخير سنجد أنّ هناك تفاوتًا كبيرًا بين مناطق تعيش تحت وطأة الحرب وبين أخرى مستقرّة. 

ويسأل إبراهيم عن الخطة البديلة الموعودة للوزارة التي تصرّ على إجراء الامتحانات، أي ماذا سيحصل إذا تطوّر الوضع أو بقي على حاله مأزومًا؟ وإذا شنّت إسرائيل غارة قرب أحد مراكز تقديم الامتحانات وأصيب التلامذة أقلّه بالهلع، من يستطيع تحديد الأماكن الآمنة، في ظلّ ما نشهده من قصف متنقّل ليس فقط جنوبًا بل يطال أيضًا قسمًا من البقاع؟ هذا إذا ما تغاضينا عن قدرة التلامذة على تقديم امتحانات ومعظمهم لا ينامون ليلًا بسبب الطائرات، وينتقلون من منطقة إلى أخرى أو يودّعون أحبابًا لهم.

وليس بعيدًا، تصف مدرّسة في إحدى ثانويات قضاء مرجعيون وضع طلاب الشهادة الرسمية الثانوية وأساتذتهم بـ “الضبابيّة الضاغطة عليهم، بينما المطلوب التخفيف عنهم”. وتعتبر في اتصال مع “المفكرة” أنّ غياب الخطط وتخبّط الوزارة زادا الضغوطات على تلامذة الشهادات الرسميّة في الجنوب، هم الذين يعيشون أوضاعًا اقتصادية واجتماعيّة ونفسيّة صعبة. وتقول: “كأنّه لا يكفي ما يعيشه التلامذة من توتر بسبب النزوح والاعتداءات حتّى يعيشوا حالة انتظار قرارات وزارة التربية المتعلقة بمصيرهم والتي لا تزال ضبابيّة”.

وتُشير إلى أنّ العام الدراسي لو كان منتظمًا شكليًا في الجنوب فهو لم يكن كذلك فعليًا، فقد كان غياب الطلاب متكرّرًا لأسباب عدّة، منها الانتقال من منزل إلى آخر وانقطاع شبكة الإنترنت وموت أحد الأقرباء أو المعارف وتدمير منازل بعضهم، فضلًا طبعًا عن اضطرار عدد منهم للعمل ولاسيّما من العائلات النازحة. وتشدّد على أنّه كان من واجب الوزارة والمعنيين “وضع خطة من اللحظة الأولى تُخفّف على هؤلاء الطلاب وتحدّد من بداية العام شكل الامتحانات والمواد المطلوبة منهم، ولكنّنا على أبواب الامتحانات والوزارة لا تزال غائبة”.

يرى الباحث التربوي نعمة نعمة أنّه لا يمكن فصل ما يحصل تربويًا جنوب لبنان حاليًا عن غياب الرؤية العامّة في وزارة التربية، مشيرًا في حديث مع “المفكرة” إلى أنّه كان من واجب الوزارة وضع خطّة تضمن حصول تلامذة الجنوب على حقّهم في التعليم مع بداية العدوان. “أمّا اليوم فأفضل ما يمكن اعتماده، ولاسيّما لطلاب الشهادة الثانوية، الذين يتحضّرون لدخول الجامعة هو تخصيص دورات تعويضيّة لهم لتُجرى بعدها امتحانات مع مراعاة الظروف الأفضل نفسيًا وتربويًا”، يضيف نعمة. 

ويتحدّث نعمة عن “لا عدالة طالت هؤلاء التلامذة، إذ من انتظم منهم بدأ متأخرًا عن زملائه في مناطق مستقرّة فلم يتسنّ له أخذ المعارف المطلوبة”، مشيرًا إلى لا عدالة أخرى سيتعرّضون لها في حال إخضاعهم لامتحان موحّد في ظلّ ما راكموه هذا العام من فاقد تعليمي.

وفي الإطار نفسه، يشير مدير ثانوية كفرا إلى أنّ الفاقد التعليمي جنوبًا كبير جدًا، وأنّه يجب التعويض عنه ولكن بعيدًا عن مدارس صيفيّة يستفيد منها بعض المحظيين.

ويشير نعمة إلى أنّ الفاقد التعليمي لهؤلاء التلامذة يُضاف إلى فاقد تراكم منذ العام 2016 حين قرّرت وزارة التربية تخفيض أيام التدريس من 170 إلى 120 يومًا ومن ثمّ ما تراكم خلال فترة كورونا وصولًا إلى تحديد أيام الدراسة بـ 90 يومًا والاضرابات ولاسيّما في المدارس الرسمية.

أمّا في ما خصّ قرار اعتماد الامتحان الموحّد، فيعتبر نعمة أنّ القرار لا علاقة له بالأوضاع الأمنيّة جنوبًا، وأن الوزارة تسعى إلى هذا الأمر منذ سنتين، مشيرًا إلى أنّ هذا القرار إداري يهدف إلى تقليص النفقات بعدما أعلنت الجهات التي تموّل امتحانات البريفيه عدم رغبتها في التمويل.

ويشدّد على أنّ إلغاء شهادة البريفيه، وهو مطلب لعدد من الأكاديميين، “يكون قرارًا تربويًا إذا ما ترافق مع تغيير نظام التقييم وجعله تحت رقابة مفتشي وزارة التربية، أمّا بشكله الحالي فهو يفتح باب السمسرات ويسهّل على بعض المدارس الخاصة تنجيح من يدفع، إذ إنه سيكون تحت إشراف المدرسة نفسها”.

وكان المرسوم ذكر أنّ الامتحان يُجرى “تحت رقابة أفراد الهيئة التعليمية فيها على مسؤوليّتهم الشخصية الوظيفية والمسلكية، وتحت سلطة مديري هذه المدارس وعلى مسؤوليتهم أيضًا عن تأمين سلامة إجرائه وتحقيق الانضباط فيه، وتعتبر أعمال الرقابة في هذا الامتحان، كما أعمال تصحيح مسابقات مواده وإعلان نتائجها من المهام الوظيفية لمن يترتب عليهم موجب تأدية هذه الأعمال، ولا ينشأ بالتالي عن تأديتها أي حق بأي تعويض مادي”. وأضاف أنّ “المعدل النهائي للتلميذ يُحتسب “بجمع 65% من معدّله خلال العام الدراسي مع 35% من معدّله العام في الامتحان الموحّد”.

أي معارف حصّلها التلامذة  في ظل الحرب؟

ترى علا خضر، وهي اختصاصيّة نفسية للأطفال، أنّ حالة الحرب تعني مباشرة الشعور بـ”لّا أمان عند الأطفال، والأمان هو ركيزة أساسيّة حتّى يتمكّن التلميذ من التركيز والاستفادة من قدراته”، مشيرة في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ الأهمّ هو “أنّ الطفل خلال الحرب يُحدّد أولوياته، وبطبيعة الحال سيكون أمنه وأمن من يحبّ هو الأولوية، ولن يكون الدرس ضمن هذه الأولويات”.

هذا الحديث ينطبق على الأطفال الذين يعيشون في مناطق حروب بشكل عام ولكن يُضاف إليه أيضًا حالة الحداد والحزن الذي يعيشه الطفل الذي يفقد أحد أقربائه، ما يشكّل عقبة إضافيّة أمام قدرته على التركيز واستيعاب المعارف واكتساب المهارات داخل الصف.

بالإضافة إلى ما تقدّم تُسيطر على الطفل في أوقات الطوارئ ومنها الحروب، مشاعر القلق فهو لا يعرف ماذا سيحصل حتى في المستقبل القريب، فلا يستطيع التفكير بخطّة، لا توجد رؤية واضحة أمامه ما يؤثّر على أدائه المدرسي وإنتاجيته، تقول خضر، مشدّدة على أنّ الأمر نفسه أيضًا ينطبق على الأهل “فهم يشعرون أنّهم فقدوا السيطرة على هدفهم مثلًا بتعليم أولادهم، وكلّ خططهم مهدّدة، فيصبحون غير مستقرين نفسيًا الأمر الذي ينعكس بدوره على الأطفال”.

من جهتها تُركّز الاختصاصيّة الإجتماعيّة رنا غنوي، على العقبات التي تواجه الطفل في ظلّ الحروب والنزوح وأثر هذا الأمر على نظرته وتعامله مع المدرسة. فتتحدّث مثلًا عن دخول الطفل إلى مدرسة جديدة بسبب نزوحه، ما يعني أنّه دخل إلى مجتمع كُوِنّ سابقًا، على صعيد مجموعاته ومجموعات الصداقات سواء عند التلامذة في ما بينهم أو على صعيد التلامذة والأساتذة، فيشعر أنّه دخيل عليهم. ويترافق أيضًا هذا الأمر مع شعور الطفل بضغوط لمجاراة ما فاته من دروس والتأقلم مع طُرق الشرح الجديدة، والتي قد تكون مختلفة عن مدرسته السابقة، وهذه كلّها تشكّل عقبات أمام الطفل وتحصيله العلمي.

لا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ إذ تتحدّث غنوي عن شعور الذنب والذي تعتبره “أكثر المشاعر قدرة على التسلّل إلى الأطفال، فالطفل قد يشعر بالذنب لأنّه كلّف أهله جهدًا ومالًا لانتقاله إلى مدرسة جديدة، فلا يطلب مثلًا مساعدة في الدرس ولا يعبّر عن عدم قدرته على اكتساب بعض المهارات، خوفًا من زيادة العبء على عائلته التي قد تكون في مركز إيواء أو في بيت تتشاركه مع عائلات أخرى يسمع فيه الحديث عن عدم قدرة عائلته استئجار منزل بمفردها أو تأمين المصروف”.

وبعيدًا من التبعات المباشرة، تُشدّد غنوي على فكرة انفصال السلطات المعنيّة، وهنا وزارة التربيّة، الكلّي عن التلامذة وما يُسبّبه هذا الأمر من خلل في بناء المواطنة لدى هذا الطفل مستقبلًا. فهذه السلطات، وبحسب غنوي، عليها وفي مثل هذه الأوضاع مسؤوليّة مخاطبة تلامذة الجنوب مباشرة ليس فقط لإعلامهم بخططها وبمصير امتحاناتهم بل أيضًا لتشعرهم بأنّها موجودة وتهتم لأمرهم، وأنّهم يعملون معًا على مستقبل الوطن، مشيرة إلى أنّ عدم إقدام الوزارة على هذا الأمر يُشعر التلامذة بعدم الإلزاميّة بالتعاطي مع السلطة مستقبلًا، ما يسبب اختلالَ حسّ المشاركة الفعلية لدى التلامذة في صناعة الوطن.

وتختم غنوي بالقول إنّ ضبابيّة الإجراءات تدفع التلامذة أيضًا إلى التأويل، فإمّا يعتبرون أنّ إلغاء الامتحانات حتمي ويتجاهلون الدرس، وإمّا يعيشون قلقًا وجهدًا مضاعفًا لتخطي هذه الامتحانات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، تحقيقات ، الحق في التعليم ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني