فصل جديد من الصراع حول المجلس الأعلى للقضاء في تونس: صراع المؤسسات يهدّد الدستور


2016-04-04    |   

فصل جديد من الصراع حول المجلس الأعلى للقضاء في تونس: صراع المؤسسات يهدّد الدستور

اختار أعضاء مجلس نواب الشعب التونسي أن تكون مصادقتهم على مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 23-03-2016 نتيجة لتوافقات سياسية بينهم تنهي الصراعات الحادة التي رافقت نظرهم في هذا المشروع سابقاً. وكانت الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية القوانين قد أسقطت مشروع القانون التي سبق وصادق عليها المجلس بتاريخ 13-11-2015 بدعوى أن الحماية الدستورية للمبادرة التشريعية تفرض أن تتعهد الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بالمشروع الحكومي وأن المشروع كما تم تعديله خالف روح ذلك المقترح. وتمثلت التوافقات السياسية في أن تتعهّد الجلسة العامة للمجلس التشريعي بمشروع القانون كما اقترحته الحكومة وأن يؤدي التصويت على فصول ذلك المشروع لإسقاطها واستبدالها لاحقا في إطار مقترحات تعديل بأحكام تعتمد صيغة المشروع الذي أسقطته الهيئة. توقعت الطبقة السياسية التي انخرطت في توافق تام بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة أن يؤول المخرج المقترح لإنهاء أزمة مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء.

فنّدت الهياكل القضائية التوقعات التي كانت تعول على نتيجة التوافق لإنهاء الأزمة التي تسببت في تأخير إرساء المجلس الأعلى للقضاء مباشر والمحكمة الدستورية بشكل تبعي. وتوالت مواقف هذه الهياكل مؤكّدة رفضها لمشروع القانون. وعليه، وفي مقابل توافق الكتل السياسية، أجمعت الهياكل القضائية[1] على أن مشروع القانون تراجع عن الدستور التونسي فيما تعلق بصلاحيات المجلس بعدما عدت أن التعديلات التي أدخلت على المشروع الأصلي أدت "لتهميش المجلس الأعلى للقضاء وأفقدته صلاحياته الأساسية"[2]. وعدت هذه الهياكل إجراءات مناقشة مشروع القانون الذي ذكرت أنه مرر في صمت مخالفة للدستور[3].

لم يشمل التوافق السياسي رئاسة الجمهورية التونسية التي اختارت أن تلتزم بالدستور وتحيل مشروع القانون على الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين لتنظر فيه وتبت في تلاؤم التنقيحات التي أدخلت عليه مع قرارها عدد 02/2015 المؤرخ في 08-06-2015[4].

اختارت الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي من جهتها أن تنخرط في النقاش حول مشروع القانون، فأصدرت بتاريخ 30-03-2016 بياناً موجهاً للرأي العام أمضاه نائب رئيسها تضمن موقفها من الجدل الدائر حول مشروع القانون. ضمنت الهيئة الجزء الاول من بيانها مؤاخذاتها على دستورية مشروع القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء، فيما خصصت جزءه الثاني لابراز موقفها من الأطراف التي تدخلت في جلسة المصادقة على المشروع. أدان البيان في جزئه الثاني وزير العدل "لالتزامه الصمت إزاء نسف المشروع الحكومي للقانون روحا ونصا". وذكّرت الهيئة في هذا الإطار بكون ذلك المشروع "تمّ إعداده بطريقة تشاركية بين جميع المهتمين بالشأن القضائي بما فيهم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي". كما توجه ذات البيان نحو السلطة التنفيذية داعياً مجلس نواب الشعب "إلى احترام الخيارات المقررة دستوريا في بناء أسس نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي … يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتواصل بينها". ونبه البيان في خاتمته المجلس التشريعي لأنه "ليس من وظائف السلطة التشريعية مراجعة الخيارات التأسيسية كما هي ثابتة بمقتضى أحكام الدستور وبضرورة احترامها لها تحت رقابة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين والالتزام التام بتنفيذ مقتضيات قراراتها الملزمة لكل السلطات".

تزامن صدور بيان الهيئة القضائية مع توجيه رئاسة الجمهورية التونسية لمجلس نواب الشعب لمراسلة صادرة عن الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين تضمنت طلب استفسار حول "اجراءات المصادقة على مشروع  القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء". دفع البيان ومن بعده الحكم التحضيري رئاسة مجلس نواب الشعب لدعوة مكتب المجلس لاجتماع وصف بالاستثنائي وأعلن عقبه أن "البت في أمر طلب هيئة الرقابة على دستورية مشاريع القوانين سيكون بجلسة عامة للمجلس التشريعي تعقد للغرض". وفي خطوة تؤشر على التوجّه نحو التصعيد، اختار رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب الأستاذ نور الدين البحيري أن يعكس الهجوم. فاتّهم من ذكر"أنهم قد يكونون بعضا من أعضاء الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي بمحاولة تعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء لأنهم يرغبون في استبقاء المؤقت" وحذر البحيري في تصريحه مما "اعتبره محاولة لتعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء، محاولة للمساس بالدولة وإرادة المجلس التشريعي في بناء المؤسسات الدستورية الدائمة"[5].

أشر موقف مكتب مجلس نواب الشعب التونسي في رده على طلب الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين على كون قادة نواب الشعب استشعروا أن الهيئة تتجه نحو إسقاط مشروع القانون واختاروا في ردهم على ذلك أن يواجهوا موقفها بالتصعيد. وقد كشف اختيار رئيس الكتلة البرلمانية الأكبر توجيه الاتهام نحو القضاة بالسعي لتعطيل مؤسسات الدولة الدستورية عن توجه الأغلبية النيابية لإعلان حرب على ما سبق وادّعت أنّه تغوّل للقضاة على صلاحيات السلطة التشريعية.

تهدد الحرب المحتملة والتي ستدور رحاها بين مؤسسات الدولة الدستورية بتعطيل الدستور التونسي ونسف مكتسبات الثورة بما يؤكد حتمية تجنبها. ويؤمل في إطار تكريس البناء الديموقراطي أن تلعب النُخب دوراً، فيفرض التزام الجميع بالدستور والمؤسسات.



[1]                التبعات المدوية للمصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء: هيئة القضاء العدلي تصعّد و تتّهم  – الاستاذ  لطفي واجة – صحيفة المغرب التونسية  01-04-2016
 
[2]جمعية القضاة تحذير من سقوط  المنظومة القضائية في أيدي الأحزاب – الصباح التونسية -02-04-2016.
[3]للاطلاع على مؤخذات جمعية القضاة التونسيين على مشروع القانون – متابعة ما نشر بالصحافة التونسية من تغطية للندوة الصحفية التي عقدتها جمعية القضاة التونسيين بتاريخ 01-04-2016.
[4]منشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 47 المؤرخ في  12-06-2015                                               
[5]تصريح لاذاعة موزاييك أف أم يوم 01-04-2016                                                                               
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني