تحديات تواجه تجربة المرأة القاضية بالمغرب


2016-03-11    |   

تحديات تواجه تجربة المرأة القاضية بالمغرب

تجاوز عدد القاضيات بالمغرب سنة 2016 حاجز الألف، بعدما كان هذا العدد لا يتجاوز قاضية واحدة عينت سنة 1961، لتصبح بذلك أول امرأة تتبوأ كرسي القضاء في العصر الحديث في بلد افريقي عربي واسلامي[1].

وبين هذين التاريخين يبرز مسار من نضال المرأة المغربية من أجل تغيير الصور النمطية المنتشرة التي تحدّ من مشاركتها في الفضاء العام ووصولها إلى مراكز صنع القرار.

ويبلغ عدد النساء حاليا في سلك القضاء 1004 قاضية في مقابل 3177 قاضيا، أي بنسبة 24%طبقا لإحصائيات سنة 2016، وهي نسبة آخذة في الارتفاع خاصة إذا علمنا أن هذه النسبة لم تكن تتجاوز 20.41%سنة 2008، و20.48%سنة 2009، و21.50%سنة 2010، و22.12%، سنة 2012، وهي النسبة المرشحة لارتفاع أكبر في أفق سنة 2017 حيث من المنتظر أن يتم تعيين الفوج 41 من الملحقين القضائيين[2].

وإذا نظرنا إلى تركيبة قضاة المغرب بحسب الجنس، نلاحظ التطور الذي عرفه عدد النساء القاضيات، الذي انتقل من 683 قاضية سنة 2010 إلى 1004 قاضية إلى حدود 15 شتنبر 2015، مسجلا بذلك ارتفاعا يقدر بنسبة 46%، بوتيرة أكبر من الزيادة الحاصلة في العدد الاجمالي للقضاة الذي ارتفع بنسبة 23%خلال نفس الفترة، وهو ما يوضح الإقبال الكبير الذي أصبحت تعرفه مهنة القضاء من طرف المرأة.

ومن بين المهام الجديدة التي أسندت للمرأة القاضية في السنوات الأخيرة مهمة قاضي الاتصال، حيث توجد قاضية بكل من باريس وبروكسيل للقيام بهذه المهمة، كما أسندت للمرأة القاضية لأول مرة في تاريخ القضاء المغربي مهام التوثيق بإحدى السفارات بالخارج، وذلك بتعيين قاضيتين للتوثيق.

وبالرغم من التقدم الملحوظ الذي سُجّل في العقود الأخيرة فيما يخص تزايد عدد القاضيات بالمغرب، فإن ذلك لم يواكبه حضورٌ للمرأة القاضية على مستوى مراكز صنع القرار القضائي. فعدد القاضيات اللواتي يتحملن المسؤولية بالمحاكم لا يتجاوز 11 قاضية من أصل 211 منصبا للمسؤولية القضائية بالمحاكم، أي بنسبة لا تتجاوز 5.21 %، وهي نسبة ضعيفة تبررها وزارة العدل برفض العديد من النساء المؤهلات تحمل مسؤوليةالادارة القضائية. لكن نادي قضاة المغرب يُرجع استمرار العراقيل التي تحول دون وصول المرأة القاضية الى مناصب المسؤولية القضائية، لغياب معايير الشفافية والموضوعية في الترشح لهذه المناصب[3]. كما أنه لم يسبق لأي امرأة قاضية أن حظيت بشرف الفوز بعضوية المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما فرض على المشرع الدستوري التدخل لضمان تمثيلية المرأة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتخصيص كوتا للنساء القاضيات في انتخابات هذا المجلس.

وبتتبّع نتائج المجلس الأعلى للقضاء التي أصبحت تنشر علنا، يمكن ملاحظة استمرار العراقيل التي تحد من حضور المرأة في المشهد القضائي، والتي تعزز ما أشار اليه بيان المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. فتهميش الكفاءات النسائية القضائية لا يقتصر فقط على جانب إقصائهن من مناصب صنع القرار القضائي، بل يتجسد في عدة ممارسات حتى البسيطة منها. وهكذا يلاحظ أن نتائج الدورات الأخيرة للمجلس خلت من تمتيع أي امرأة قاضية أحيلت على التقاعد بالصفة الشرفية التي تمنح للقضاة عرفانا بمجهوداتهم. وهو مقتضى بالرغم من رمزيته إلا أنه يعبر عن استمرار عقلية ذكورية لا تثمن قيمة مساهمة النساء في ميدان العدالة. فكيف تحرم قاضيات أنهين مسارهن المهني بنجاح ودون الوقوع في أي مطبات، من نيل الصفة الشرفية؟ وعلى أساس أي معايير تمنح هذه الصفة الرمزية التي وضعت لتكريم القضاة المتقاعدين قبل أن تتحول إلى أداة للتمييز بينهم ولاحساس كثير منهم بالاحباط؟

الملاحظة نفسها يمكن ابداؤها بخصوص آلية التمديد، التي غالبا ما تقصي المرأة القاضية، فغالبية القاضيات تتم احالتهن على التقاعد بمجرد بلوغهن سن 60 حتى وإن كن لا يزلن يرغبن في مواصلة العمل.

وتستمر مظاهر التمييز لتبلغ عدة مستويات من بينها التمييز الممارس بين القاضيات والقضاة فيما يتعلق بطلبات الانتقال إذ لا يزال المجلس يستجيب لطلبات القاضيات الراغبات في الالتحاق بأزواجهن، ولا يلتفت لطلبات القضاة الراغبين في الالتحاق بزوجاتهم. وهذه الممارسة تتنافى مع روح الدستور القائم على المساواة والمناصفة، وتتعارض مع روح مدونة الأسرة التي ألغت واجب الطاعة وجعلت الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين دون تمييز بين المرأة والرجل.

وعموما، لا بد من الاعتراف بأن المواقف والأحكام المسبقة تجاه المرأة عموما والمرأة القاضية على وجه الخصوص ما تزال تنتج سلوكيات تمييزية متنامية ضدها تؤدي إلى بناء تصور تنظيمي قائم على التمييز. وأخطر تجليات هذا التصور، الآراء الرافضة لتواجد المرأة في منصب حساس بحجم منصب القضاء، والتي تتأثر بالمناخ العام السائد في المجتمع والذي يحتاج لوقت طويل من أجل التغيير.



[1]-لمزيد من التفاصيل تراجع الدراسة المنشورة بموقع المفكرة القانونية حول تجربة المرأة القاضية بالمغرب.
[2]-آخر احصائيات وزارة العدل والحريات أكتوبر 2015، منشورة بالموقع الرسمي للوزارة.
[3]-بيان المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب الصادر بتاريخ 08 مارس 2015.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني