قرار المجلس الدستوري 1/2016: يحرس الدستور أم يحرس التوافق السياسي الحاكم؟


2016-01-11    |   

قرار المجلس الدستوري 1/2016: يحرس الدستور أم يحرس التوافق السياسي الحاكم؟

صدر قرار المجلس الدستوري الأول هذه السنة المتعلق بطعن ١١ نائبا من المجلس الممدد لنفسه بدستورية القانون المعجل رقم ٤١ تاريخ ٢٤/١١/ ٢٠١٥ الرامي الى تحديد شروط إستعادة الجنسية اللبنانية. وقد آل القرار الى رفض الطعن المقدم. وامتنع المجلس عن النظر في إحدى مواد القانون المثيرة للجدل، والتي تنطوي على مخالفة فاضحة للدستور والمواثيق الدولية التي وقع عليها لبنان المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل. فالقانون المشار إليه أعلاه تضمن مادة ميز فيها على أساس جنسي حيث خص المتحدرين من الذكور اللبنانيين فقط بحق إستعادة الجنسية دون المتحدرين من النساء اللبنانيات. وهذا يشكل جليا تمييزا بين اللبنانيين على أساس الجنس نهت عنه مقدمة الدستور اللبناني التي تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتبنت مواثيق الأمم المتحدة كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي إنضم إليه لبنان في العام ١٩٧٢. وقد طرح القانون إبان صدوره الجدل القديم بخصوص حق المرأة اللبنانية بإعطاء الجنسية إلى أطفالها من أب أجنبي. والواقع أنه يوجد الكثير من القوانين اللبنانية المعمول بها مخالفة للدستور الحالي، وذلك لأن الكثير منها قد صدر قبل إنشاء المجلس الدستوري وهي لم تخضع للرقابة الدستورية، ولا يوجد آلية متاحة للطعن فيها. 

وما نعيبه على هذا القرار، ضمن أمور أخرى لن يتم إدراجها هنا، فهو الآتي:

أولا: جاء القرار ضعيفا في الشكل وغير متماسك، إذ أنه خلا من ذكر نص المادة المطعون فيها ولم يقدم خلفية واقعية عن صدور القانون.
ثانيا: تراجع المجلس عن مساره السابق الذي بموجبه منح المجلس نفسه، لدى الطعن في دستورية قانون أمامه، حق النظر في دستورية كافة مواد القانون وليس فقط تلك التي يطلب المستدعون إبطالها أو يطعنون فيها. فالمجلس، في قراره رقم (٤) لسنة ١٩٩٩، أبطل إحدى مواد قانون التنصت رقم ١٤٠/٩٩ التي تشترط إعلام نقابة المحامين قبل التنصت على هاتف محام، وقد اعتبرها المجلس آنذاك أنها تخل بمبدأ المساواة بين اللبنانيين، والتي لم يكن قد شملها الطعن المقدم أمام المجلس. وقد تم التأكيد على هذا المنحى أيضا في قرار المجلس رقم ٤/٢٠٠١ حيث توسع المجلس أيضا في النظر في إبطال القانون المتعلق بتعديل بعض مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية بالرغم من عدم الطعن في كامل مواد القانون.

وهنا تبرز الخطيئة الكبرى، فالمجلس الدستوري هو أعلى مرجعية قضائية، تحرس الدستور وتتأكد من أن تشريع النواب يتفق مع العقد التأسيسي الذي إرتضاه اللبنانيون، ألا وهو الدستور. فالمهمة، وإن كانت تبدو حساسة وعلى جانب كبير من المسؤولية، لكنها محصورة في نفس الوقت، وهي مراقبة أن القانون الصادر ينطبق على الدستور الذي لا تزيد مواده على ١٠٠ مادة. وفي الحالة الراهنة، فالقانون المطعون فيه يتضمن إنتهاكا واضحا لبنود الدستور تهضم حق نصف المجتمع اللبناني من العنصر النسائي بمنع الجنسية عن الأشخاص الذين يتحدرون من نساء لبنانيات. وما هذه المخالفة إلا تكرار لمثيلتها في قانون منح الجنسية اللبنانية.

وبناء عليه، ودون إسهاب، لا يساورنا الشك أن أعضاء المجلس يفقهون هذا الأمر، ويعون أن هناك مادة مناقضة للدستور في ذلك القانون كان يقتضي عليهم النظر فيها بغية إبطالها إنسجاما مع إجتهادات المجلس السابقة. ولكنهم، إمتنعوا عن ذلك، في تعد صريح للقسم القاضي بالتقيد بأحكام الدستور. وكما أن القرار لم يكن مفاجئا، فأسبابه ليست خفية على أحد، وهي معارضة زعماء لبنانيين غير منتخبين ديمقراطيا لحق إعطاء المرأة الجنسية لأبنائها مخافة أن يؤدي الى خلل في التوازن الديموغرافي. ويبدو أن المجلس إستشعر هذا الأمر، وقرر أن يأخذه في عين الإعتبار.  فهل أن هذه المخالفة الشكلية تحمل في طياتها شرعية شعبية؟ والمقصود بذلك، هل إستشعر المجلس أنه، برأيه، أكثرية اللبنانيين تعارض أمر إعطاء الجنسية لأولاد المرأة، فقرر أن ذلك يسوغ له التغاضي عن إبطال تلك المادة بالرغم من تعارضها القانوني مع الدستور والمواثيق الدولية الآمرة؟ وهل أن المجلس تخلى عن مهامه التقنية في مراقبة دستورية القانون بجانبها القانوني البحت ليستعيض عنها بمراقبة دستورية القانون بجانبها الواقعي والسياسي؟ ومؤدى ذلك أن المجلس لا يستند في آرائه الى مراقبة المواد القانونية فقط، بل يعمل على مواءمة أمور أخرى تتعلق بالإستقرار الامني والسياسي والتوافق بين الأطراف السياسية، وأيضا موقف الاكثرية الفاعلية من القانون المطروح. فيصير دوره كمجلس شيوخ أكثر منه مجلس دستوري بالمعنى القضائي للكلمة. أما أن ذلك كله كلام هباء، والسبب الحقيقي هو تجنب أعضاء في المجلس إغضاب السياسيين والنافذين والمرجعيات الدينية؟ والأرجح أن السبب الأخير هو الذي دفع المجلس الى هذا القرار، خصوصا في ضوء غياب أي تصريح أو حركة سياسية من القوى الحاكمة المؤثرة، يشجع أو يفهم منه الموافقة على إلغاء المساواة بين المرأة والرجل في منح الجنسية للأولاد. وإن تأثير هذه القوى في المجلس تمظهر حين امتنع ثلاثة من أعضاء المجلس عن حضور جلساته لمنع صدور قرار بخصوص الطعن في قانون تمديد ولاية المجلس النيابي. ثم كيف للمجلس أن يعبر عن آراء اللبنانيين من النساء والرجال، ولا يزال خلوا من العنصر النسائي بعد مرور أكثر من ٢٠ سنة على بدئه العمل؟

وهنا تبرز مخالفة القاضي طارق زيادة لقرار الأكثرية، التي نظر إليها بأنها القرار الصحيح الذي كان يجدر بالمجلس الوصول إليه.  
والمؤسف أننا بتنا مؤخرا نرى الكثير من حالات التماهي بين السلطات القضائية والسلطات التنفيذية أو السلطة الحاكمة، فنرى أن قضاة كثيرين يتفهمون موقفها ويعزفون عن ممارسة صلاحياتهم بمراقبتها، بل يشعرون بأنهم جزء من السلطة الحاكمة يطالها ما يطال هذه الأخيرة فيتضامنون معها ويقبلون أعذارها دون مسائلة وفي مخالفة صارخة للقانون، وكأن عدم وجود آليات كافية هو قوة قاهرة لا يمكن تجنبها.  
وفي جميع الأحوال، فإن قرار المجلس يأتي في سياق ترهل حكم القانون في لبنان، وذلك يحصل عندما يصبح القانون بمعناه العام وجهة نظر تعبر عن رغبة القوي، أو حيث تقضي المصلحة.                                                 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني