عقوبات المثلية والإدمان تدفع إلى مراجعة المجلة الجزائية في تونس


2016-01-05    |   

عقوبات المثلية والإدمان تدفع إلى مراجعة المجلة الجزائية في تونس

أصدر القضاء التونسي في 11/12/2015 حكما قضائيا بسجن 6 شبّان من مدينة القيروان لمدّة ثلاث سنوات ونفيهم من المدينة لنفس المدّة بتهمة المثلية الجنسية، وذلك استنادا إلى الفصل عدد 230 من المجلّة الجزائية. كما تواصل المحاكم التونسية إصدار أحكام بسجن العديد من الشبّاب لمدّة سنة مع غرامة قيمتها ألف دينار بتهمة استهلاك المخدّرات إعمالا لاحكام القانون عدد 52 الصادر سنة 1992 .

هذه الأحكام القضائية خلقت جدلا واسعا حول هذه الفصول من المجلّة الجزائية ومدى ملاءمتها مع ما تضمّنه الدستور التونسي الجديد الصادر عام 2014، حيث طالب عدد من الحقوقيين ومنظّمات مدنية بضرورة تعديل هذه المجلّة ومراجعتها حتى تكون متلائمة مع ما نصّ عليه الدستور خاصّة في باب الحقوق والحريات ومع المواثيق الدّولية التّي وقّعت عليها تونس.

وفي المقابل، تعمل وزارة العدل التونسية منذ سنة تقريبا على إعداد نسخة جديدة لهذه المجلّة، وقد خصّصت لجاناً فنية صلبها حتى تعدّ وتراجع عدداً من الفصول المثيرة للجدل اليوم، لكن من دون أن توّجه دعوة إلى المنظّمات الحقوقية لإبداء تصوّرها لفصول المجلّة الجديدة.

وفي سياق متابعة موقف الرابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان من المجلّة الجزائية وانتظاراتها للنسخة الجديدة، التقت المفكرة القانونية محمد صالح الخريجي عضو الهيئة المديرة وأجرت معه الحوار التالي:

المفكرة: لماذا تطالب رابطة حقوق الانسان بمراجعة المجلّة الجزائية؟

بعد الانتفاضة التّي عرفتها تونس عام 2011، ظلّت عدّة مجالات دون تغيير جذري على غرار التشريع والقضاء والحوكمة، ولم تجتث من الأرضية التّونسية بصفة عامة عروق النظام السابق. وبعيد دخول تونس في المسار الثوري، بدأ تحوير بعض المجالات من خلال نفس إصلاحي عموما، وضمنيا تم وضع آليات في هذا الاتّجاه والتشريع بصفة عامة.

وبضغط من المجتمع المدني وبعض أحزاب المعارضة، تم لفت نظر السلطة بخصوص وجوب إصلاح القضاء لأنه من الأسس التّي تؤسّس للعدل والديمقراطية وتحترم الحريّات وإرساء الحوكمة. وتم الضغط كي يكون الدستور ذات توجّه ديمقراطي عام يحترم حقوق الإنسان. وبالنسبة إلى المجلّة الجزائية، عوض أن يقع في الآن ذاته ومباشرة بعد وضع الدستور النظر فيها بسرعة حتى تتلاءم مع ما ورد خاصّة في باب الحقوق والحريات، وقع تلكّؤ كبير، ولم تكن هناك نظرة إصلاحية.

ولهذا، اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعدد من مكوّنات المجتمع المدني ومن الأحزاب الديمقراطية أنّ التناغم بين الدستور والمجلّة الجزائية لم يحصل بعد، ما دفعنا الى المطالبة بإصرار على وجوب إعادة النظر فيها حتى تكون متلائمة مع الدستور، لأنّ النسخة الحالية تضمّنت فصولاً تعود إلى فترة حكم الباي ونظام الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

ولذلك بات من الضروري اليوم تشريك المجتمع المدني في إعداد النسخة الجديدة. لكن وزارة العدل لم تتّصل بنا حتى اليوم للمشاركة صلب أعمال اللّجان الفنيّة التّي تعمل على مراجعة فصول المجلّة.

المفكرة:هل تتوقعون أن تحترم النسخة الجديدة مبادئ حقوق الانسان؟

في الحقيقة، يبدو أنّ هنالك بعض جوانب التغيير بناء على المعلومات المتوفّرة لدينا من خلال بعض ردود الأفعال. ونعتقد أنّ هنالك شيئا من الأمل يجعلنا نتصّور أن عديد الإصلاحات قد تتحقّق. لكن يبقى السؤال المطروح هو فيما إذا كانت هذه الإصلاحات ستصل إلى ما تريده الرابطة أم لا، خصوصا اذا أخذنا بعين الاعتبار بعض الموروثات الدينية والتقاليد التي قد تكون عائقا أمام الإصلاح الذي سيعتمد في مراجعة عدد من الفصول.

المفكرة: هل من الضروري أن يتم إشراك المجتمع المدني في إعداد نسخة جديدة للمجلّة؟ 

من الضروري اليوم تشريك الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان لأنّها منظّمة حقوقية جامعة تعنى بكل ما يتعلّق بحقوق الإنسان والحريّات إضافة إلى أنّها من المكوّنات الأساسية في المجتمع المدني التونسي.

وهي من المنظّمات القليلة التّي عاشت اضطهاد خلال  فترة حكم بورقيبة وبن علي. وفي حال لم يتم إشراكنا ستقوم الرابطة بإعداد مشاريع قوانين تحمي حقوق الانسان ثم نقدم تصوّراً إلى الجوانب المتعلّقة بالمحاكمة العادلة وكيفية تطابق الدستور مع هذه القوانين الجديدة وسنقدّمها إلى سلطة الإشراف حتى يتّم الإعتماد عليها.  

المفكرة: لماذا اعتبرتم الأحكام القضائية الأخيرة ضدّ مستهلكي المخدرات والمثليين الجنسيين خرقا للدستور؟

فيما يتعلق بالقانون عدد 52 لسنة 1992 الذي يتعلق بمكافحة المخدرات، فان ثمة إجماعا من قبل الديمقراطيين على وجوب إعادة النظر فيه بحيث لا يقع الخلط  بين المستهلك وبين البائع والمروج. فالمستهلك لا يكون مصدر ضرر للغير، كما أن من يُضبط وبحوزته القنّب الهندي أو ما يعرف بـ"الزطلة" لا يعني أنّه مستهلك. وهناك حالات شبيهة في محاكمة عدد من الشّباب بمجرّد القبض عليهم وهم يحملون هذه المادة وتعرّضوا للسجن بمجرّد الاشتباه بهم وقد تسبب للعديد منهم في فقدان عملهم أو دراستهم.

أمّا بالنسبة إلى الفصل عدد 230 من المجلّة الجزائية المتعلّق بتجريم المثلية، فهنالك إشكال حول طبيعة  مجتمعنا. فدائما ينظر إلى المثليين الجنسيين نظرة دونية وهنالك من يعتبرهم كالفيروس الضّار ولا بدّ من إجتثاثه. لكن اليوم هنالك مفاهيم لحقوق الإنسان الكونية أقرّت بالحريّة الجنسية طالما أنها لا تشكّل خطرا على المجتمع. فمن حقّ الفرد أن يتصرّف دون إلحاق الضرر بالغير، وعلى هذا الأساس لا بد من تغيير هذا الفصل حتى يتماشى مع ما نصّ عليه الدستور والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان من جهة وإصدار فصول لا تؤدّي إلى خدش التقاليد والعادات من جهة أخرى.

المفكرة: ماهو موقف الرابطة من الفحوص الشّرجية وفحص البول لكشف التعاطي؟

هذه الفحوص تجرى على المحالين أمام أنظار القضاء بناء على الفصلين عدد 230 من المجلة الجزائية فيما تعلق بالفحوص الشرجية والقانون عدد 52 فيما تعلق بفحص البول لاكتشاف رواسب المخدرات. وتطالب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بأن لا تكون هذه الفحوص غصبا و ضد إرادة الفرد. كما تتمسك برفض اجرائها في غير الحالات القصوى التي يتعلق الاتهام فيها بجرائم يثبت فيها الاضرار بالغير أي المس بحقوق الاخرين.

المفكرة: في حال تواصل هذه الانتهاكات،كيف ستكون خطط عمل الرابطة؟

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان باعتبارها منظّمة سليمة ولها توجّهها العام، فإنّها سنضغط بالوسائل المتاحة في هذا الاتّجاه والمطالبة الملّحة لتشركينا في التغيير والإصلاح وكذلك تقديم ما نريد أن نحققه في اتّجاه الإصلاح. وفي حال لم نصل إلى نتيجة في هذا الاتّجاه، فنحن نرى أنّه لا بدّ من رد الفعل سواء عبر البيانات أو تجميع القوى في البلاد بصفة عامة أو بالتظاهر السلمي أو بالضغط المباشر على البرلمان التونسي وعلى السلطة التنفيذية بعد التنسيق مع كل القوى في البلاد سواء كانت القّوى الحقّوقية أو الجامعيين أو المنظّمات التّي ليس لها علاقة مباشرة بهذه القوانين الجائرة، إضافة إلى تشريك الأحزاب التّي تنادي باحترام حقوق الإنسان. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني