اقتراح لتشريع المخالفات على الأملاك العامة البحرية: سخاء على حساب الناس


2015-12-08    |   

اقتراح لتشريع المخالفات على الأملاك العامة البحرية: سخاء على حساب الناس

طرحت قضية ال “1141”  تعديا على الأملاك العامة البحرية نفسها في موازاة الحديث عن كيفية تمويل سلسلة الرتب والرواتب. فأفرجت اللجان النيابية اللبنانية حينذاك عن اقتراح قانون “معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية ” المقدم منذ عام 2006 وبادرت الى درسه. وثمة تساؤلات عدة يطرحها هذا الاقتراح. هل هو يضع حداً لهذه التعديات المزمنة أم أنه بمثابة تشريع لها مقابل غرامة مالية زهيدة؟وهل يتمثل الهدف الأساسي من معالجة التعديات في زيادة عائدات الخزينة العامة أم في المحافظة على الأملاك العامة البحرية أو الإرث البحري الوطني اللبناني؟

مع اندلاع الحرب اللبنانية، صدرت تراخيص وقرارات عشوائية سمحت بإشغال الأملاك العامة البحرية أو تم وضع اليد على هذه الاملاك دون أي مسوغ قانوني. وبحسب تقرير وزارة الأشغال العامة والنقل، بلغت عشوائية التعديات خلال هذه الفترة وما يليها أكثر من مليونين و247 الفا و884 مترا مربعا، نصفها عبارة عن ردم للبحر، تقوم عليه انشاءات بمساحة 162 ألفا و383 مترا مربعا. لم تجد الدولة الى حينه حلاً يعيد إليها سلطتها على أملاكها أو لمواطنيها حقوقهم بالإنتفاع من الملك العام والمسلوبة بالولوج غير المجاني أو المشروط الى البحر.

وكان القرار 144 لعام 1925 عرّف في المادتين الأولى والثانية الأملاك العامة البحرية بأنها تشمل جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال مصلحة عمومية كشواطئ البحار والمياه والبحيرات والغدران… وسمح القانون اللبناني بإشغال الأملاك العامة البحرية في القرار 144/ 1925 والمرسوم 4810 لعام 1966 والمعدل عام 1978 إضافة الى المرسوم 2522 الصادر في 15-7- 1992. إلا أنه سجل فقط صدور 73 مرسوما للإشغال وفقا للأصول.

نظام إشغال الأملاك العامة البحرية

كرست القوانين اللبنانية حقوق المواطنين في الوصول الى البحر من دون عوائق. يحدد القرار 144 الصادر في 10 حزيران 1925 الأملاك العامة البحرية. ونصت المادة الرابعة عشرة منه على شروط إشغال هذه الاملاك “يمكن الدولة أو البلديات أن ترخص على أملاكها العمومية بصفة مؤقتة، قابلة للإلغاء ومقابل رسم ما بإشغال قطعة من الأملاك العمومية، إشغالا شخصياً مانعاً لا سيما إذا كانت المسألة مرتبطة بمشروع ما“.
وبدورها تضمنت المادة السابعة عشرة منح إجازات الإشغال المؤقت لسنة واحدة يمكن تجديدها بالرضى الضمني. كما يمكن إلغاء إجازات الإشغال المؤقت من دون تعويض عند أول طلب من الدولة.

حدّد المرسوم رقم 4810 تاريخ 24 حزيران 1966 والمعدل عام 1978 نظام إشغال الأملاك العامة البحرية، وفقاً للآتي:

“تبقى الأملاك العامة البحرية باستعمال العموم ولا يكتسب عليها لمنفعة أحد أي حق يخول إقفالها لمصلحة خاصة. أما السماح بتخصيص جزء من الشاطئ لاستعمال أفراد أو مجموعات وحصر هذا الانتفاع بهم دون سواهم يكون عملاً استثنائياً يمكن تطبيقه في حالات خاصة تخضع للأسس العامة”.

وأبرز هذه الأسس أن يكون للمشروع المنوي القيام به “صفة عامة ومبرّرات سياحية أو صناعية بحسب إفادات تصدر عن الدوائر المختصة (المجلس الأعلى للتنظيم المدني)” و”أن لا يشكل الاستثمار المطلوب عائقاً لوحدة الشاطئ في حال وجود مساحات يتوجب إبقاؤها مفتوحة للعموم” و”أن لا يسمح بإنشاءات دائمة على الأملاك العامة البحرية سوى ما يعود منها للتجهيزات الرياضية والتنظيمية وملحقات الإنشاءات على أن لا يتعدى معدل الاستثمار السطحي لهذه التجهيزات نسبة معينة، وأن لا يعلو البناء فوق مستوى الأملاك العامة البحرية أكثر من ستة أمتار”، و”أن يكون طالب الترخيص مالكاً لعقار متاخم للقسم المراد إشغاله من الأملاك العامة البحرية” وألا تزيد مساحة الأملاك العامة البحرية المنوي إشغالها الخاص المتاخم عن ضعفي مساحة العقار وان لا تزيد واجهة هذه الأملاك عن واجهة العقار الخاص المتاخم”.
إ
لا أن  المرسوم رقم 7464 تاريخ 30/ 10/ 1995 عدّل هذه المادة ونصّ: “يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري الأشغال العامة والنقل زيادة مساحة السطح المائي المنوي إشغالها عن المعدل المسموح به شرط ألا تقل مساحة العقار عن عشرين ألف متراً مربعاً، وأن يكون الترخيص لمشروع سياحي كبير من الفئة الأولى”.

في آب 1990، أبطل القانون رقم 14 جميع التراخيص المخالفة للقانون الصادرة عن وزراء الأشغال السابقين. وورد في المادة 30 منه :  “تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على أي جهة رسمية ترتيب أي أثر قانوني عليها، جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافاً للقواعد والأصول المقتضاة قانوناً وفي صورة خاصة الآتي: أ – عقود البيع أو الوعد به والايجار المبرمة خلافاً للأحكام والأصول المحددة لها. ب – إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي في صورة غير قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله. ج – الإشغال المؤقت للأملاك العامة أو البلدية واستثمارها خلافاً للاصول وكان حاصلاً بمقتضى ترخيص من المرجع المختص”.

وفي 1992، تم إصدار المرسوم 2522 الذي نظّم بدلات إشغال الأملاك العامة البحرية. ولم يجرِ تعديل المرسوم الى حينه فبقيت الرسوم المترتبة على الترخيص بالإشغال المؤقت على حالها بالرغم من الإرتفاع الجنوني لأسعار العقارات. نذكر على سبيل المثال 10 ليرات من حدود لبنان الشمالية إلى شمال المنية، و1000 ليرة من الطرف الجنوبي لمرفأ بيروت الى الطرف الشمالي لمكب النورماندي.

في العام 1993، امتنعت وزارة النقل عن إعطاء أي ترخيص جديد. وفي نهاية العام، ألحق بالموازنة الجدول رقم 9 الذي رفع الغرامة عن كل مخالفة جديدة الى خمسة أضعاف الرسم المخصص له.شددت كل منالمادة 737 والمادة 738 من قانون العقوبات المعدلة وفقا للمرسوم الاشتراعي 112 تاريخ16/9/1983 والقانون 239 تاريخ 27/5/1993 العقوبة والغرامة في حالة الاستيلاء بقصد السكن او الاستثمار او الاشغال لعقار او قسم من املاك الدولة او الاملاك المشاعية.

في تقييم اقتراح القانون

وحالياً مع تأخر مناقشة اقتراح “معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية” 25 عاماً، لا بدّ من إلقاء الضوء على أبرز مواده ومحاولة تقييم النتائج التي قد تنجم عنه.

1 – من تبنى اقتراح القانون؟

وقع على الاقتراح  6 نواب ينتمون الى كتل المستقبل (احمد فتفت، جمال جراح، غازي يوسف )، والقوات اللبنانية (جورج عدوان)، واللقاء الديمقراطي ( مروان حمادة)، والتغيير والاصلاح (آلان عون).

2-  تاريخ المخالفات

حدد الاقتراح تاريخ 1/1/1994 تاريخا فاصلا لمعالجة التعديات، فجعل المخالفات الحاصلة قبله وحدها قابلة للتسوية. والسؤال الذي يطرح هنا: إلام يستند هذا المعيار؟ ثم ما الغاية من التمييز بين التعديات ما قبل عام 1994 وما بعده؟ في هذا الشأن، يكتفي المعنيون[1] بإسناد السبب الى تفعيل سرية الشواطئ بعد عام 1994 المولجة حماية الاملاك العمومية البحرية وضبط المخالفات من جهة. وتضمن قانون الموازنة 1993 لمادة رادعة تلحظ رفع الغرامة على المخالفة من جهة أخرى.  وما نفهم من هذه الحجج أنها تعتبرهذا التاريخ مفصليا لقيام الدولة واستعادة حضورها: فقبله زمن الحرب والفلتان، وبعده زمن القانون. وهو تاريخ يختلف عن التاريخ الذي منح العفو للجرائم الحاصلة من قبله وهو آذار 1991. بالمقابل، هو يلتقي مع تاريخ تسوية مخالفات البناء، لكن هذا التاريخ يرتبط بمخالفات حاصلة داخل الأملاك الخاصة ولا صلة له بالأملاك العامة.

وعدا عن أن هذه القراءة غير صحيحة، فإنها تؤدي عمليا إلى تغطية ليس فقط الاعتداءات الحاصلة خلال الحرب بل أيضا بعد انتهائها بثلاث سنوات. وهي تكون منحت قوى الأمر الواقع إمكانية تحصيل مزيد من الغنائم. ولا يرد على ذلك أن ثمة قياسا ممكنا بين المخالفات الحاصلة على الأملاك العامة ومخالفات البناء. فعدا عن أن قانون تسوية مخالفات البناء لا يسمح بتسوية المخالفات الحاصلة على الأملاك العامة، فإن فلسفته تختلف تماما عن فلسفة تسوية التعديات على الأملاك العمومية. ففيما أن كثيراً من مخالفات البناء حصل نتيجة ضعف الإدارات العامة المخوّلة اعطاء تراخيص البناء، فإن الإعتداءات على الأملاك البحرية هي في جوهرها تعد سافر من مواطن على حقوق العامة.

3- شروط التسوية:

ميز اقتراح القانون بين مخالفات قابلة للتسوية وتشمل المخالفات الحاصلة قبل بدء سنة 94 وأخرى غير قابلة للتسوية وتشمل التعديات الحاصلة بعد هذا التاريخ. ولكن، ما الذي يسوّى؟ هنا، نلحظ أن المشرّع اعتمد عند تحديد شروط التّسوية معياراً أساسيّاً متّصلاً بوضعيّة العقار المتاخم، وتحديدا فيما اذا كان العقار المتاخم ملكا عاما أو خاصا، وخصوصا فيما إذا كان الشاغل مالكا له أو حائزا على حق إيجار أو استثمار عليه. وقد وضع لكل من هذه الحالات أسساً للتسوية، بما فيها الحالات التي لا تكون شروط إشغال الأملاك العامة البحرية مستوفية. وتبعا لذلك، نكون أمام معيار تقني وعقاري من دون إيلاء أي اعتبار للمعايير الإجتماعية أو البيئية. وقد خالف بذلك نص الإقتراح أسبابه الموجبة التي أشارت الى وجوب”منع الترخيص الذي قد يلحق ضررا بالمواقع الأثرية والتاريخية أو يضر بالبيئة والصحة العامة”.

وأهم من ذلك، هو بدل التسوية. وهنا، نتبين تسامحا هائلا من قبل المشرع مع الجهات المخالفة، وهو تسامح تجلى في عدد من أحكامه، أبرزها الآتية:

–         أن الغرامة تسدد اعتباراً من 1-1-1994، مما يعني إعفاء كاملا عن أي غرامة عن الفترة السابقة لهذا التاريخ،
–         أن الغرامة المفروضة لإنجاز التسوية حددت على أساس البدلات المعمول بها لإشغال الأملاك العمومية، من دون أي اعتبار لحجم الاستثمار أو الانشاءات التي أقامتها الجهة المخالفة على هذه الأملاك. وما يزيد الأمر قابلية للإنتقاد هو أن الاقتراح سمح بالإبقاء على بعض هذه الإنشاءات، من دون أن يفرض إزالتها كلها. ويلحظ هنا أن البند 3 من المادة الرابعة حددت معايير مختلفة للانشاءات الجائز ابقاؤها، فزاد من الحد الأقصى للإستثمار السطحي (15%) في حين أن الحد الأقصى الذي كان مسموحا به في المرسوم 4810/ 66 هو (5%)، وكذا فيما يتعلق بالحد الأقصى للإستثمار العام (20% : إقتراح المعالجة، في مقابل 0.075 في المرسوم 4810/66). والأنكى من ذلك هو أن الاقتراح يشرع ابقاءها من دون أن يلزم الشاغل بأي اجراءات من أي نوع كان. وهو بذلك جعل المعتدي على الملك العام في وضع أفضل من المخالف على ملكه الخاص، حيث لا يمكن لهذا الأخير الحفاظ على إنشاءاته الا في حال تسوية مخالفة البناء،
–         أن الغرامة المفروضة جد زهيدةة. وقد حددت بين مرة وربع وضعفي البدل السنوي عن الفترة السابقة (وهو متدن جدا) مع فائدة 7.5% تسري إعتبارا من عام 1994 بحسب ما اذا كانت الأملاك البحرية المعتدى عليها مستوفية لشروط إشغال الاملاك العامة البحرية أو إذا كان الشاغل مالكا لعقار خاص متاخم أو حائزا على حق إيجار أو استثمار عليه أو ما اذا كان الإشغال يفوق ضعفي مساحة العقار المتاخم. وتاليا، يتعين لاحتساب الغرامة عن السنوات السابقة الاستناد ليس على بدل الإشغال الفعلي في الوقت الحالي كما ترتب قواعد المسؤولية المدنية في حالات الإشغال غير المشروع، إنما على بدل الإشغال المعمول به بالنسبة إلى الفترة المعنية.
–         فضلا عن ذلك، أبدى المشرع تسامحا هائلا من خلال السماح بالتقسيط ومع التنصيص على تخفيض الغرامة بنسبة 20% في حال تسديدها فورا.
–         لم يربط الإقتراح الإشغال المؤقت بمدة معينة. فالقرار رقم 144/س/25 واضح لجهة أنّ مدّة الاشغال هي سنة واحدة قابلة للتجديد[2].بالمقابل نص البند الثاني من المادة التاسعة من الاقتراح على ” …. تسدد الرسوم عن كل سنة خلال الشهر الاول من السنة”. فهل يعني ذلك أن الإشغال يبقى قائماً إلى أجل غير مسمى طالما أن الشاغل يسدد الرسوم؟ وهو بذلك يصبح في وضعية أفضل من الشاغل القانوني للملك العام والذي يتعين عليه الاستحصال على تجديد لإشغاله سنة فسنة. أقل ما يمكن قوله هنا أن النص غامض وهو يفتح الباب أمام تمليك الشاطئ بصورة مبطنة.

خلاصة:

وردت الإشارة ضمن الأسباب الموجبة للإقتراح إلى المبادئ الآتية:

–         ” استعمال الأملاك العامة دون قيد أو شرط حق كرسه القانون للمواطنين”،
–         ” تعمد بلدان عديدة إلى منع البناء ليس فقط على الاملاك العمومية البحرية بل على الاملاك الخاصة المجاورة للأملاك العامة”،
–         ” التأكيد على الطابع الإستثنائي لأحكام قانون معالجة التعديات على الاملاك البحرية “…
ا
لا أن التدقيق في هذا الإقتراح يظهر توجهات معاكسة تماماً أي نحو تشريع المخالفات وتأبيدها مقابل تسديد غرامات زهيدة، ومن دون اي اعتبار للأجيال القادمة أو حتى الأجيال الحاضرة وضرورة المساواة بين المواطنين في استخدام الملك العام.

نشر هذا المقال في العدد | 33 |تشرين الثاني/نوفمبر/  2016 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

تشريع الأمر الواقع

[1]عبد الحفيظ القيسي، مقابلة على تلفزيون الجديد، ايلول 2015.

[2]نصت المادة الرابعة عشرة: “يمكن الدولة أو البلديات أن ترخص على أملاكها العمومية بصفة مؤقتة، قابلة للإلغاء ومقابل رسم ما بإشغال قطعة من الأملاك العمومية، إشغالا شخصياً مانعاً لاسيما إذا كانت المسألة مرتبطة بمشروع ما“.
وحددت المادة السابعة عشرة منح إجازات الإشغال المؤقت لسنة واحدة يمكن تجديدها بالرضا الضمني. كما يمكن إلغاء إجازات الإشغال المؤقت من دون تعويض عند أول طلب من الدولة.
هذا القرار الذي مضى على صدوره أكثر من 90 عاماً ما يزال سارياً لأنه تضمّن رؤية مستقبلية، إذ اعتبر أن الاشغالات للأملاك العامة مؤقتة وليست دائمة، وحصر الترخيص بسنة واحدة مع حق الإدارة بإلغائه من دون تعويض.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، أملاك عامة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني