الفصل 96


2015-10-29    |   

الفصل 96

دخل نادي قضاة المغرب في 27 أكتوبر 2015[1]في مسلسل احتجاجي جديد حيث أطلق مبادرة في كافة المحاكم المغربية لجمع توقيعات القضاة تعبيرا عن رفض مشروع النظام الأساسي للقضاة ومشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما قرر حمل الشارة ابتداء من يوم الثلاثاء وهو اليوم المقرر لعرض مشاريع القوانين التنظيمية أمام مجلس النواب، كما أعلن عن شروعه في تنفيذ اعتصام لكافة أجهزته ابتداء من يوم الأحد المقبل.
وبحسب بيان المكتب التنفيذي لنادي القضاة[2]فإن هذه الاحتجاجات جاءت ردا على المشروعين المذكورين بصيغتهما الحالية اللذان يشكلان انتكاسة دستورية حقيقية وتراجعا خطيرًا لتضمنهما مقتضيات خطيرة من شأنها أن تهدم الاستقلال المنشود من أساسه[3].فما هي أوجه اعتراض نادي القضاة؟
 

أوجه اعتراض نادي قضاة المغرب
يسجل نادي قضاة المغرب عدة ملاحظات حول مشاريع قوانين السلطة القضائية[4]من زاوية مدى احترامها للوثيقة الدستورية من جهة، وملاءمتها للمعايير الدولية من جهة ثانية. ومن أبرز مظاهر اعتراض نادي القضاة:

1-المس بالاستقرار المهني للقضاة:
يعترض نادي قضاة المغرب اعتراضه على مضمون المادة 96 من مشروع النظام الأساسي للقضاةالتي تعتبر الخطأ القضائي خطأ جسيما موجبا للإيقاف الفوري للقضاة[5]. فوفق النادي، أوجد المشرع طرقا أخرى لمعالجة الخطأ من خلال آليات الطعن التي يكون الهدف من ورائها تصحيح ما قد يقع من أخطاء أثناء نظر الدعاوى، وكذا آلية التعويض عن الخطأ القضائي المنصوص عليها في المادة 122 من الدستور، والتي تنسجم وطبيعة العمل البشري الموصوف بعدم الكمال.
وينسجم موقف نادي القضاة مع المعايير الدولية في هذا المجال[6]. فالمقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين تؤكد على أنه: "حتى يتسنى للقضاة الاضطلاع بوظائفهم على نحو مستقل، ينبغي ألا يكونوا خاضعين لإجراءات أو عقوبات تأديبية مرتبطة بمنطوق قراراتهم أو أحكامهم أو فتاواهم القضائية أو أخطائهم القضائية أو انتقادهم للمحاكم".وهو نفس ما أكدت عليه اللجنة المعنية بحقوق الإنسان حينما أعربتعن قلقها إزاء الإصلاح القضائي الذي سيتيح إمكانية تنحية القضاةلأسباب تتعلق بتأديتهم لمهامهم، واعتبرت أن تنصيص القانون على إمكانية اتخاذ إجراءات تأديبية ضد القضاة لإصدارهم أحكاماً غير صالحة قانوناً أو نتيجة "لأخطاء في الأحكام القضائية" ُيعرّضهم لضغوط ويُهدد استقلالهم ونزاهتهم.
ومن ثم، ستكون المادة 96 من المشروع أداة في مواجهة كل قاض متمسك باستقلاليته من خلال إثارة الأخطاء التي قد يقع فيها، واستغلالها للتأثير في مسار القضايا التي ينظر فيها.
 
2-المس بحصانة القضاة من النقل
تفاديا للتأثير في استقلالية القضاة أثناء أدائهم لمهامهم عن طريق آلية النقل، نصت مختلف المواثيق الحقوقية الدولية على ضمانة عدم قابلية القضاة للنقل. ومن أهم البنود في هذا المجال، البند الحادي عشر من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة بتاريخ 13/12/1985. وهو ما سار عليه الدستور المغربي من خلال المادة 108، على اعتبار أن الضمانة المذكورة تشكل ركيزة من ركائز السلطة القضائية المستقلة. إلا أن المشروع المعروض على أنظار البرلمان أسس لمنحى مغاير لهذه الضمانة وذلك من خلال إتاحته للمسؤولين القضائيين صلاحية الانتداب عن طريق نقل القضاة من المحكمة التي يشتغلون بها إلى محاكم أخرى، وهو ما يشكل مسا بالاستقرار الاجتماعي للقاضي. ويتحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة لفرض التعليمات والتدخل في مسار القضايا تحت وطأة التهديد بالانتداب. ونفس الأمر ينطبق على مؤسسة النقل التلقائي للقضاة إثر ترقيتهم، والتي ظلت وطيلة عقود من تاريخ القضاء المغربي منفذا من المنافذ التي تستغل للمس باستقلال القضاة.
 
3المس بالحقوق المكفولة دستوريا للقضاة.
المشروع يمنع ويقيد ممارسة القضاة لبعض الحقوق والحريات الدستورية[7]، وهكذا يتعارض منع القضاة من الانضمام إلى النقابات المهنية أو المشاركة في الاجهزة المسيرة للجمعيات المدنية مع المادة 89 من الدستور، والمعايير الدولية المتعلقة بممارسة حرية تكوين الجمعيات خاصة المادة 9 من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة باستقلال القضاء. كما يتعارض حظرالعمل النقابي على القضاة مع المعايير الدولية خاصةاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية. كما يتنافى مع مستلزمات التأويل الديمقراطي للدستور الجديد الذي لم يمنع على القضاة سوى الانخراط في المنظمات النقابيةدون أن ينصرف هذا المنع ليشمل النقابات، علما بأن مفهوم المنظمات النقابية تعني اتحادا لمجموعة من النقابات القطاعيةالمنضوية في منظمة نقابية واحدة تجمع بينها قواسم مشتركة وتديرها أجهزة مشتركة "ولها في الغالب خلفية سياسية".ولعل الهدف من هذا المنع هو محاولة تنزيه العمل القضائي في اطار تكتلات مهنية عن العمل النقابي الذي يجمع بين أكثر من قطاع والحيلولة دون انخراط القضاة في "التجاذبات" السياسية خاصة وأن عملهم من خلال التكتلات المهنية الموجودة مشروط بمراعاة مستلزمات التجرد والاستقلال.

4تركيز العديد من السلطات في يد الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية
يؤاخذ نادي القضاة على الصيغة الأخيرة من مشاريع القوانين التنظيمية تركيزها لعدد من الصلاحيات في يد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. والحال أن الدستور جعل البت في وضعية القاضي كيف ما كانت هي اختصاص حصري للمجلس بكافة أعضائه ضمانا لعدم المس باستقلاله.
 
5-التحجير على القضاة
يتجلى هذا التحجير من خلال عدة مقتضيات منصوص عليها فيمشروعالنظام الأساسي للقضاة ومنها على سبيل المثال تقييد مباشرة التدريس والبحث العلمي بترخيص من الرئيس المنتدب للسلطة القضائية.
 
-6  إلحاق حيف كبير بالقضاة المرتبين حاليا في الدرجة الثالثة
 الذين جعلهم مشروع النظام الاساسي للقضاة خاضعين لنسق الترقي المنصوص عليه في ظهير 1974 قصد حرمانهم من حقهم في الاستفادة من نسق الترقية الجديد الذي  يقلص المدة نسبيا.
 
7 جعل تقييم القاضي في يد المسؤولين القضائيين بالمحاكم
وهو ما جعله وسوف يجعله وسيلة للتحكم. والحال أنه يجب الاحتكام إلى نظام موضوعي يعهد به الى لجنة وفق آليات محددة من شأن أعمالها محاربة التحكم وتهديد استقلال القاضي.
 
8 -جعل المفتشية العامة والمفتش العام تابعين للرئيس المنتدب كذلك، وهو ما يمكن أن يجعل منها وسيلة للتحكم والتأثير على استقلال القضاة.
 
9– عدم الإشارة إلى مبدأ دمقرطة كافة المحاكم بمختلف درجاتها بما فيها محكمة النقض، عن طريق جعل الجمعية العامة هي الطريق الوحيد لاتخاذ القرارات التي تهم تقسيم العمل القضائي.

-10الإبقاء على الإدارة القضائية على وضعيتها الحالية التي يقر الجميع بفشلها مع بعض التعديلات الطفيفة التي لن يكون لها تأثير على مستوى الواقع.

-11بقاء وزارة العدل حاضرة في المشهد القضائي مما قد ينتج عنه مع توالي الأيام تأثير لها على القرار القاضي من خلال منفذ المسؤوليين القضائيين بالمحاكم.

 



[1]يشرع نادي قضاة المغرب اليوم 27 أكتوبر 2015 في حمل الشارة بكافة المحاكم المغربية.
[2]بيان صادر عقب الاجتماع الطارئ الذي عقده نادي قضاة المغرب يوم الأحد 25 أكتوبر 2015.
[3]يستعد نادي قضاة المغرب لعقد مؤتمر صحفي لابراز موقفه من التراجعات الواردة في مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة على أنظار مجلس النواب.
[4]حول موقف نادي قضاة المغرب وباقي الجمعيات القضائية من مشاريع قوانين السلطة القضائية بالمغرب، تراجع الدراسات الآتية المنشورة بالمفكرة القانونية: في قراءة نقدية للنسخة الثالثة لمشاريع قوانين السلطة القضائية في المغرب(1): في أبرز اعتراضات ومطالب الجمعيات المهنية للقضاة، (2)المتغير والثابت في فلسفة المشاريع الحكومية؛ (3)لهذه الأسباب، رفض نادي قضاة المغرب مسودة النظام الأساسي للقضاة.
[5]تنص المادة 96 من مشروع النظام الأساسي للقضاة على أنه:
"يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما، ويعد خطأ جسيما بصفة خاصة:
– اخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد والنزاهة والاستقامة؛
– الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف،
– الخرق الخطير لقانون الموضوع،
-الاهمال او التأخير غير المبرر أو المتكرر في بدء أو انجاز مسطرة الحكم أو في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية،
-خرق السر المهني وافشاء سر المداولات،
-الامتناع عن التجريح العمدي في الحالات المنصوص عليها في القانون،
-الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية،
-وقف أو عرقلة السير العادي للجلسات والمحاكم،
-اتخاذ موقف سياسي أو الادلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية،
-ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو الانتماء إلى حزب سياسي أو نقابة مهنية".
[6]أنظر على سبيل المثال مذكرتا لجنة الحقوقيين الدوليين بجنيف حول مشروعي القانونين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة بالمغرب.
[7]بما في ذلك تلك المنصوص عليها في المادة 29 من دستور 2011، والتي تضمن حريات الاجتماع، والتجمهر، والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي.
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني