كيف قمعت السلطة الحق بالتظاهر؟

،
2015-10-12    |   

كيف قمعت السلطة الحق بالتظاهر؟

تنشر المفكرة تقريرا أوّلي عن لجوء السلطة الى العنف والتوقيفات الجماعية التي طالت حوالي 200 متظاهر من أجل قمع المظاهرات الشعبية التي انطلقت منذ تموز 2015. ويبرز هذا التقرير كيف تمت معاقبة المتظاهرين لممارستهم الحق بالتظاهر من دون محاسبة جدية للقوى الأمنية لتجاوزاتها ولإفراطها في استعمال العنف. ويأت ذلك نتيجة عمل مشترك تقوم به “المفكرة القانونية” مع “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان” لتوثيق الانتهاكات لحرية التظاهر. ويستند التقرير على مراجعة المواد التي نشرتها السلطات الرسمية ووسائل الاعلام ومجموعات مشاركة في الحراك، وشهادات موقوفين ومتظاهرين ومحامين قام بتوثيقها فريق عمل المفكرة القانونية، أضافة الى تقارير طبية للمصابين خلال المظاهرات. ولغاية اليوم، تمكنت المفكرة القانونية من توثيق أكثر من 150حالة توقيف أخلي سبيلهم جميعاً. كما وثقت شهادة 23موقوفاً، من بينهم خمسة قاصرين وستّ نساء. ولا تزال عملية التوثيق مستمرة لغاية تاريخه وندعو قراءنا الذين تم توقيفهم التواصل معنا لاستكمال التوثيق.

رد السلطة على المظاهرات: استخدام العنف المفرط

في أواخر شهر تموز 2015، شهد لبنان بداية سلسلة تحركات تحت شعار “طلعت ريحتكن” ندّدت بسوء إدارة ملف النفايات. ورغم تأكيد جميع السلطات المعنية وفي مقدمتها وزارة الداخلية إحترامها لحق التظاهر، فإنّ القوى الأمنية بادرت الى إعتقال ما يقارب 200 متظاهر حتى الآن، مستخدمة العنف المفرط في مناسبات عدة.

أول التوقيفات حصل في 28 تموز 2015 حين تجمهر عدد من المتظاهرين حول سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس التي صودف مرورها ورشقوها بأكياس النفايات. أدت هذه الحادثة الى توقيف أربعة متظاهرين، من ضمنهم طارق الملاح الذي كان قد تقدم بدعوى ضد وزارة الشؤون الاجتماعية على خلفية تعرّضه للإغتصاب والمعاملة السيئة في إحدى دور الرعاية. وقد عزا ملاح للوزارة إهمالها في اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان حسن إدارة المرفق العام المتمثل في الرعاية البديلة. وجاء توقيفهم بمثابة الإشارة الأولى على جهوزية السلطة للجوء الى قمع المتظاهرين وتوقيفهم وترهيبهم من أجل ثنيهم عن التظاهر وانتقاد المسؤولين، خاصة أن النيابة العامة التمييزية أحالت التحقيقات الى شعبة المعلومات التي تتولى عادة التحقيق بالجرائم الخطيرة. أُطلق سراح الشبان بعد أربعة أيام على توقيفهم، توقيف تخلله عدد كبير من الانتهاكات لحقوقهم، أبرزها التحقيق مع الموقوفين معصوبي الأعين ومنعهم من التواصل مع محاميهم.

استمرت التحركات في الشارع، وحصل العديد من التوقيفات في 22 آب. وقد شكلت تظاهرة ذلك اليوم حدثاً مفصلياً لجهة العنف المفرط المستخدم من الأجهزة الأمنية. فإلى جانب الغاز المسيّل للدموع وخراطيم المياه والهراوات والرصاص المطاطي، أقدمت الأجهزة الأمنية على إطلاق الرصاص الحي في الهواء. وقد لجأت السلطة إلى القمع والعنف المفرط بحق المتظاهرين في مناسبات أخرى، وهو أسلوب تراجعت عنه خلال تظاهرة 20 أيلول 2015.

منهجية الاعتقالات: محاسبة المتظاهرين المدنيين أمام القضاء العسكري

منذ 22 آب 2015 لغاية 20 أيلول 2015 اقدمت الاجهزة الامنية على توقيف حوالي 200متظاهر ومتظاهرة من بينهم أكثر من 23قاصراً، كما أظهرت نتائج توثيق المفكرة القانونية. وقد سجلت أوسع حملات الاعتقال خلال مظاهرات 22 و25 و29 آب و16 أيلول. وترافقت هذه الحملات مع استمرار الاحتجاجات أمام أماكن احتجاز الموقوفين للمطالبة بالإفراج عنهم. وفيما تم إطلاق سراح معظم هؤلاء الموقوفين في الليلة عينها أو في اليوم اللاحق لتوقيفهم، تم إبقاء 24 منهم قيد التوقيف لآماد مختلفة تراوحت بين الأسبوع والشهر بعد أن تم الادعاء عليهم أمام قاضي التحقيق العسكري.

وقد بدت هذه التوقيفات جماعية وعشوائية طال بعضها عناصر الإنضباط الذين فصلوا المتظاهرين وعناصر الشرطة. كما استهدفت بعض التوقيفات متظاهرين بناء على الصور التي تم توثيقها من قبل القوى الأمنية خلال المظاهرات. فلم تحصل جميع هذه الإعتقالات في ساحة التظاهرة، بل تم توقيف عدد كبير من المتظاهرين تبعا لمطاردتهم أو عبر ترصدهم في أماكن قريبة. كماسجّل اعتقال بعض المتظاهرين في المستشفيات حيث تلقوا العلاج، بعدما قامت المستشفيات بإبلاغ القوى الأمنية عن إصاباتهم، وذلك رغم علمها بأن القوى الأمنية هي المعتدية. وقد تبنّت السلطات الرسمية مفهوم “الاندساس” بمظاهرة سلمية في إطار تبرير عملية الاعتقالات والملاحقات التي طالت المتظاهرين، علما ان هذا المفهوم لم يرد في أي من القوانين اللبنانية.

وخلافا لتوقيف الشبان الأربعة في تموز 2015 الذي خضع لصلاحية القضاء العدلي، أشرف مفوض الحكومة أمام القضاء العسكري على التحقيقات مع المتظاهرين، باستثناء التحقيقات التي قامت بها مخابرات الجيش والتي لم تخضع لأي رقابة قضائية. وقد أدى ذلك الى تجديد المطالبة بعدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

تعددت الأجهزة الأمنية التي اشتركت في اعتقال المتظاهرين والتحقيق معهم، مما أوحى باحتمال وجود صراع بين الأجهزة لقمع المتظاهرين. فقد نُفذت الاعتقالات من قبل مخابرات الجيش وشعبة المعلومات وفرق الاستقصاء وقوى مكافحة الشغب، منهم باللباس العسكري ومنهم باللباس المدني. كذلك تعددت الأجهزة التي تولت التحقيق مع الموقوفين حول مشاركتهم في المظاهرات، في حين تم توزيع معظم المتظاهرين على مختلف المخافر في بيروت. وقد سجل نقل بعض الموقوفين، ومن ضمنهم قاصرين، من أماكن توقيف الى أخرى للتحقيق معهم من قبل عدة أجهزة. فقد خضع أحد القاصرين للتحقيق في مخابرات الجيش ومن ثم الشرطة العسكرية ومن بعدها شعبة المعلومات؛ كما تم التحقيق مع قاصر آخر لدى مخفر زقاق البلاط ومن ثم مفرزة بيروت القضائية ومن ثم شعبة المعلومات.

وقد اعتمدت قوى الأمن الداخلي في بعض الحالات آلية لغربلة الموقوفين في المخافر، ومن ضمنهم قاصرين، دون فتح محاضر تحقيق. فقامت بالتحقيق مع المتظاهرين شفهياً والتأكد مما إذا كانوا يظهرون في الصور الموثقة لديها. وقام مفوض الحكومة بترك أغلبية المتظاهرين بسندات إقامة، فيما أبقى آخرين قيد التوقيف. فشكل أسلوب التوقيف لليلة مقابل التوقيع على تعهدات بعدم القيام بأعمال شغب وسيلة لترهيب المتظاهرين لثنيهم عن التظاهر.

الموقوفون لدى القضاء العسكري

قام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بإحالة 24 من الموقوفين من ضمنهم 9 قاصرين، أمام قاضي التحقيق العسكري. وتم الادعاء عليهم بالقيام بأعمال الشغب ومعاملة عناصر الأمن بالشدة وشتم الإدارات العامة والمس بسمعة المؤسسة العسكرية وتخريب المنشآت العامة والخاصة، سنداً للمواد 381 و386 و733 من قانون العقوبات والمادة 157 من قانون القضاء العسكري.

وبعد أن قام قاضي التحقيق العسكري باستجواب جميع الموقوفين، تم ترك 5 منهم مباشرة بعد الاستجواب وصدرت مذكرات توقيف بحق الآخرين. وقد طالبت مجموعات الحراك الشعبي القضاء العسكري بالإفراج عنهم ونظَم أهاليهم عددا من الاعتصامات لهذه الغاية. وتم إخلاء سبيلهم على عدة دفعات، آخرها في 21 ايلول 2015 مقابل كفالات مالية تراوحت بين 100 و200 ألف ل.ل بعد أن طال توقيفهم لآماد تراوحت بين الأسبوع والشهر. ومن المتوقع أن يصدر قاضي التحقيق قراره الظني بحقهم بهدف إحالتهم للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية.

غياب الإحصاءات الرسمية حول التوقيفات

تلكأت السلطات الرسمية عن الاعلان عن أي إحصاءات رسمية شاملة حول التوقيفات. وشكل تعدد الجهات الأمنية التي قامت بالاعتقالات والتحقيقات عائقاً أمام الحصول على إحصائيات دقيقة، خاصة أنمخابرات الجيش امتنعت عن التصريح بأعداد وأماكن احتجاز الموقوفين التي قامت باعتقالهم والتحقيق معهم. أما الأرقام التي أعلن عنها، فصدرت عن وزارة الداخلية واقتصرت على المتظاهرين الذين أوقفوا وأحيلوا أمام القضاء العسكري، دون أن تشمل المتظاهرين الذين تم إطلاق سراحهم في الليلة عينها أو في اليوم التالي للتحقيق معهم، أو الذين تم توقيفهم من قبل مخابرات الجيش.

وقد سجل أول تصريح رسميلوزير الداخلية والبلديات في 28 آب 2015 (أي بعد ستة ايام على حصول التوقيفات) أعلن خلاله عن عدد الموقوفين لتاريخه وأقر فيه بأن القوى الأمنية أفرطت في استعمال القوة في مظاهرة 22 آب.[1] وعاد وصرحبتاريخ 2 أيلول 2015 عن أن “عدد الموقوفين في أحداث 22 آب تجاوز المئة، بقي منهم 18 موقوف فقط وبعضهم أشخاص قصّر ومنهم شخص سوري وشخص من السودان فقط … وثبت أن البعض وهم قصر يتعاطون المخدرات وثبت هذا الأمر على أربعة اشخاص، والكل أحيل الى المحكمة العسكرية …”.[2] ولم يتم الإعلان عن أي أرقام أخرى بعد هذا التاريخ، كما اكتفت وسائل الإعلام بنقل خبربتاريخ 26/8/2015.مصدره مخابرات الجيش بأنه ليس لديهم أي موقوف بعدما قام بإطلاق سراح ثلاثة أشخاص في وقت سابق.[3]

أبرز الانتهاكات لحقوق المتظاهرين والموقوفين:

ارتكبت الأجهزة الأمنية المختلفة انتهاكات عديدة بحق المتظاهرين، سوف نعدد البعض منها فيما يلي لإبراز كيفية تعاطي السلطة مع تحركات الشارع على أن يتم نشر تقرير مفصل عنها لاحقاً.

الانتهاكات خلال التظاهر: عنف مفرط دون محاسبة جدية للقوى الأمنية

استخدمت القوى الأمنية العنف والضرب والغاز المسيل للدموع ورش المياه ضد المتظاهرين خلال الاعتصامات، وإطلاق الرصاص الحي في الهواء خلال المظاهرات وتوجيه الرصاص المطاطي على المتظاهرين، وقد نتج عنها العديد من الاصابات. وهو ما أقر به وزير الداخلية في مؤتمره الصحافي في 2/9/2015 وصرّح بحصول إطلاق نار يوم 22 آب 2015 من قبل حرس مجلس النواب وسرية للجيش وقوى الامن الداخلي، فيما نكرت شرطة مجلس النوابحصول أي احتكاك مع المتظاهرين.[4] وبالنسبة للإصابات، صرح وزير الداخلية في 2 أيلول 2015 عن وقوع 146مصابا من قوى الامن الداخلي و100 مصابا من المدنيين. أما الاحصاءات التي زودنا بها الصليب الاحمر اللبناني، فتشير الى قيامه بنقل 69 مصاب بين صفوف المدنيين بين 22 آب و9 ايلول مقابل 26 مصابا من جانب العسكريين، بالإضافة إلى إقدام المسعفين على معالجة 494 إصابة في مكان المظاهرات.

وبالرغم من إقرار السلطة باستخدام العنف المفرط، لم يتم حتى اليوم محاسبة أيّ من عناصر القوى الأمنية المعتدية على المتظاهرين. وقد اكتفى وزير الداخلية في 2/9/2015 بالإعلان عن نتائج التحقيق المسلكي التي قامت به المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي. وقد خلص التحقيق المسلكي وفق المشنوق إلى إنزال عقوبة مسلكية بحق ستة عسكرين لقيامهم بالتصرف بشكل تلقائي من دون العودة الى رؤسائهم وتوجيه تأنيب الى ضابطين لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم. واللافت أنه تمّ تصوير المخالفات المسلكية على أنّها متصلة بنقص التواصل بين المرؤوسين ورؤسائهم، وليس على أنها استعمال مفرط للعنف. بالمقابل، لم يعلن عن نتائج تحقيق القضاء العسكري أو عن توقيف أيّ من عناصر القوى الأمنية، مما يجيز الإعتقاد بأنه لم يُفتح أيّ ملف قضائي في هذا الخصوص.

الانتهاكات أثناء الاعتقال والنقل وفي أماكن التوقيف

أقدمت الأجهزة الأمنية على ضرب متظاهرين وسحلهم ومعاملتهم بالشدة وإهانتهم أثناء اعتقالهم ونقلهم الى أماكن التوقيف، وخلال التحقيقات معهم.وهذا ما وثقته كاميرات وسائل الاعلام ومتظاهرين، وشهادات عدد ممن استمعنا إليهم.

فأفاد أحد الموقوفين أنه تعرض للضرب المبرح لحظة اعتقاله وقد استمر الضرب بعد نقله الى المخفر: “كانوا يضربونني بشكل شبه متواصل. وقعت في عدة غيبوبات خلال الساعات التي أمضيتها محتجزاً في المخفر. بعدما خرجنا، رفاقي قالوا لي أنهم كانوا يضربونني حتى في غيبوبتي.”

وذكر آخر أنه تم توقيفه من قبل عناصر بلباس مدنية: وقفوني الاستقصاء كانوا بثياب مدنية، هني وعم يكلبجوني ضربوني على عيني بوكس وتحت باطي وفمي، وقالوا لي “أوعَ تعيط!“. وعندما وضعوني في السيارة وطووا لنا راسنا كل الطريق وكانوا عم يسبولنا ويهددونا ويقولوا “من فرجيكم بس نوصل لهونيك مين الزلمي!“.” يتحدث آخر عن اقدام عنصر بلباس مدنية على شهر مسدسه بوجهه: بيطلع بوجي واحد من فرع المعلومات وبيحمل علي الفرد ورجع دفشني على الأرض. صار عم بشدني صوب مكافحة الشغب ونزل فيي ضرب على اجري وعلى راسي بالرنجر وبكل شي، وصار يقولوا“خبوه من قناة الجديد!“. اجا الضابط قال ما حدا يمد ايده عليه. اخدوني من مجسد الأمين على السراي، صاروا هونيك يجمعوا الموقوفين وصاروا يخبطوا الموقوفين من ورا على الاجرين. كان في واحد ماسك عصاية حديد كان بدو يقتلني فيا على راسي. أنا ومكلبج كانوا عم بيضربوني”. كما ذكر أحدهم تم توقيفه من قبل الجيش اللبناني مع شخص آخر من الجنسية البنغلادشية على مقربة من جسر فؤاد شهاب عن اقدام الجيش على رمي الأجنبي من الريو خلال سيره وبعد أن صرخوا “هيدا أسود كبوه كبوه!” “

هذا وقد اشارت بعض الشهادات الى استمرار الضرب في أماكن التوقيف وقبل المباشرة في التحقيقات خاصة لدى مخابرات الجيش وشعبة المعلومات. وقد تحدث أحد القصار الذين تم توقيفهم من قبل مخابرات الجيش قائلا “قاموا بضربي على أرجلي أثناء توقيفي وبالعصا على ضهري ومن ثم أغمضوا لي عيناي بكنزتي واصطحبوني الى مكان الاحتجاز. طلبت منهم الاتصال بأهلي لإخبارهم فأجابني الدركي “فاتح لك هون ملعب، جايي لعبك؟”كما افاد أحد القاصرين عن تعرضه للضرب لدى الشرطة العسكرية في الريحانية، وذلك بعد انتهاء التحقيقات معه وأن العناصر رشقوهم بالمياه خلال نومهم، كما صرح عن اقدام الشرطة العسكرية على خلع كتف أحد الموقوفين القاصرين من شدة الضرب.

الانتهاكات خلال التحقيقات

– عدم الإفصاح عن الاحتجاز ومكانه: في حين سمحت فصائل قوى الأمن الداخلي بشكل عام للموقوفين بالتواصل مع أهلهم والمحامين وقامت بالإفصاح عن أماكن الاحتجاز، امتنعت مخابرات الجيش والشرطة العسكرية عن ذلك. وقد سجل فقدان عدد من المتظاهرين ومن ضمنهم قاصرين لمدة تراوحت بين ال24 و48 ساعة، تبين لاحقا أنهم موقوفون لدى مخابرات الجيش. فقد تم توثيقتوقيفثلاثة عشرة متظاهرين، من ضمنهم تسعة قاصرين من قبل مخابرات الجيش خلال مظاهرتي25 و29 آب، تم تسليم سبعة قاصرين الى الشرطة العسكرية حيث تم التحقيق معهم مجددا فيما أطلق سراح الآخرين. ولم يسمح للقاصرين بالاتصال بأهلهم إلا بعد انتهاء التحقيق معهم لدى المخابرات والشرطة العسكرية خلافا للمادة 34 من قانون حماية الاحداث. كما أشار بعض القاصرين الى أنه تم التحقيق معهم لدى المخابرات وهم معصبو الأعين.

– التحقيق مع قاصرين بغياب مندوبي الأحداث ودون إعلام الأهل: في غالبية التحقيقات مع القاصرين،لم يحضر مندوب للأحداث خلافا لما تفرضه المادة 34 من قانون حماية الاحداث. فمن بين ثمانية قصار تم سؤالهم عن وجود مندوبين للأحداث خلال التحقيقات معهم، أفاد واحد منهم فقط بحصول ذلك. وقد صرح هذا الأخير أن مندوبة الأحداث لم تبدِ أي تعاطف معه، بل كانت “تحاول توقيعه” عبر اتهامه برمي أشياء على الشرطة. أما الآخرون، فقد تم التحقيق معهم لدى مخابرات الجيش والشرطة العسكرية في غياب مندوبي الأحداث. وقد طُلب من الأهل التوقيع على محاضر التحقيق لدى الشرطة العسكرية بعد الانتهاء منها من دون أن يتمكنوا من حضورها. كما يسجل أنه تم التحقيق مع بعض القاصرين شفهياً لدى قوى الأمن الداخلي وإطلاق سراحهم في ليلة توقيفهم دون اعلام أهلهم.

– فحوصات البول: النظام يبحث عن حجة: أُخضع عدد كبير ممن تم توقيفهم ليلة 25 آب 2015 لفحوصات بول للكشف عن تعاطي المخدرات. كما تم ارغامهم على تحمل كلفة هذه الفحوصات والبالغة 50.00 ليرة لبنانية، وطلب ممن لم يكن معه المبلغ الاتصال بأحد افراد عائلته لتأمين المبلغ، علما أنه يترتب على النيابة العامة تحمل التكاليف التي أمرت باجرائها. ويُشار إلى أن هذه الفحوصات أجريترغم غياب أي دليل على الاشتباه بتعاطي المخدرات، لاسيما أن التظاهر لا يشكل شبهة على ذلك. نلفت أيضا في هذا السياق، الى إخضاع الشبان الاربعة الذين تم توقيفهم في تموز 2015 من قبل شعبة المعلومات في قضية التعرض لسيارة درباس، الى فحص بول أيضا دون أن يتم تدوين هذا الإجراء في محاضر التحقيقات.

– تفتيش الهواتف دون إذن قضائي: لفتت بعض الشهادات التي تم توثيقها إلى إقدام مخابرات الجيش على تفتيش هواتف الموقوفين والطلب منهم الرموز السرية. كما أفاد أحدهم عن قيام عناصر مكافحة الشغب بتفتيش هاتفه لحظة توقيفه في ساحة رياض الصلح واطلعوا على معلوماته الخاصة.

– الثني عن التظاهر: اشارت الشهادات التي تم توثيقها على أن التحقيقات جميعها ركزت على أسباب المشاركة في المظاهرة، والاستهزاء بها، بالإضافة الى التحري عن “الجهة الحزبية” التي مولت المشاركة في المظاهرة. وقد عبر المحققون عن الكثير من الامتعاض من بعض مطالب المظاهرة: “بدكن تسقطوا المشنوق؟ مش عاجبكم المشنوق؟”. وقد أرغم الموقوفون على التوقيع على تعهدات بعدم القيام بأعمال شغب.

تشكيل لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين

بتاريخ 26/8/2015، وأمام ارتفاع عدد التوقيفات والانتهاكات من قبل القوى الأمنية بحق المتظاهرين وتماشياً مع تطور الحراك الشعبي، قامت مجموعة من المحامين المتطوعين، بمبادرة من جمعية المفكرة القانونية، بتشكيل لجنة من المحامين للدفاع عن المتظاهرين وحقهم بالتظاهر. وتتألف هذه اللجنة من أكثر من 25 محاميا ومحاميا متدرجا. شكلت اللجنة مجموعة طوارئ للتدخل الفوري في أماكن التوقيف عند حصول التوقيفات. وقامت بوضع خطّ ساخن بخدمة الجميع للإبلاغ عن حالات التوقيف وعممته على المتظاهرين خلال الاعتصامات، كما وزعت مناشير لإعلامهم عن حقوقهم خلال الاحتجاز وعن الأدلة التي استندت عليها القوى الأمنية لإجراء التوقيفات. وقد انتقل محامو اللجنة الى أماكن التوقيف لمتابعة أوضاع الموقوفين. كما أمّن المحامون حضور الاستجوابات الى جانب الأشخاص المدعى عليهم أمام قضاة التحقيق العسكري، وتقدموا بطلبات اخلاء السبيل وتابعوا الإجراءات القضائية وقدموا الدعم القانوني والمعنوي للموقوفين وأهاليهم.

وفي هذا الإطار، أوصى مجلس كتاب العدل وفي سابقة في لبنان جميع كتاب العدل تنظيم الوكالات لمن ترسلهم اللجنة دون مقابل، وذلك ايماناً من هذا المجلس بالحق بالتظاهر وحق التعبير عن الرأي وحق الدفاع أمام القضاء. كما قامت نقابة المحامين في بيروت بتسهيل عمل المحامين عبر إصدار تكليفات تسمح لهم بممارسة حق الدفاع وتعفي الأهل من دفع رسوم الوكالات.

نشر هذا المقال في العدد | 32 |تشرين الأول/ أوكتوبر 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
المدينة لي، يسقط يسقط حكم #الأزعر


[1] مؤتمر صحافي لوزير الداخلية والبلديات، 28/8/2015، متوفر على موقع وزارة الداخلية والبلديات
[2] مؤتمر صحافي لوزير الداخلية والبلديات، 2/9/2015، متوفر على موقع وزارة الداخلية والبلديات
[3] خبرصادر عن LBCIبتاريخ 26/8/2015
[4] بيان قيادة شرطة مجلس النواب، 23/8/2015، متوفر على موقع الوكالة الوطنية للاعلام
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني