“كلمة وحدة” ضد الإستغلال والفساد في مؤسسات الإعلام التونسية


2015-10-01    |   

“كلمة وحدة” ضد الإستغلال والفساد في مؤسسات الإعلام التونسية

دعت نقابة الصحفيين التونسيين عموم الصحفيين التونسيين لوقفة إحتجاجية أمام مقرّها بتونس صبيحة يوم 01-10-2015 تضامنا مع  الصحفيين الذين تم طردهم تعسفيا من مؤسسات اعلامية تشغلهم. وأكدت نقابة الصحفيين أن الوقفة الاحتجاجية التي تنظمها ستكون حلقة أولى من التحركات الاحتجاجية تحت شعار "كفى" غايتها التصدي لهشاشة الوضعية المهنية للصحفيين وفضح خرق أصحاب المؤسسات الإعلامية لحقوق الإعلاميين المادية والمعنوية. وتتولى المفكرة القانونية  في إطار مساندتها لحراك الإعلاميين في تونس نشر مقال للصحفي التونسي سمير جراي موضوعه هشاشة ظروف عمل الصحفيين وأثر ذلك على مكانة الإعلام كسلطة في الدولة تضمن تحقيق الإنتقال الديموقراطي (المحرر).

عندما بلغني خبر محاولة انتحار الزميلة سهام عمار، عن طريق سكب مادة البنزين على نفسها وإشعال جسدها، أيقنت أن الحدث جلل وأن أوضاع الصحافيين في تونس ساءت أكثر مما كنت أتصوّر.وقد عهدت الزميلة عمار صلبة شرسة مستميتة في الدفاع عن حقها وحقوق زملائها عرفتها من أكثر الصحافيات غيرة على القطاع ومهنة المتاعب، لا تخشى التمسك بمواقفها والتعبير عن آرائها. هذه الفتاة، الانسانة، تتحول فجأة الى صحافية منهارة عاجزة عن استرداد حقها ممن سلبوها إياه. لم يجد قلمها السبيل الى الدفاع عنها كما اعتاد أن يدافع عن أناس آخرين ظلموا في تونس. وفي لحظة يأس، تحوّل حبر قلمها إلى بنزين ملتهب يكاد يحرق جسما وحلما كما فعل ذات شتاء سنة 2010 في سيدي بوزيد. ما زاد من قهري وألمي أن الصحافية الشابة ما أقدمت على محاولة الإنتحار إلا لأنها تعرضت الى الطرد التعسفي من قبل مديرة الإذاعة التي تشتغل بها دون وجه حق. سهام عبرت مرات عديدة عن عدم رضاها عن الآلية التي تعتمدها مديرة مؤسستها في انتداب الصحافيين وبوصفها رئيسة تحرير قسم الأخبار في عملها تدخلت بما يجيز لها موقعها في تصويب ما رأت أنه خطأ مهني من واجبها تصحيحه فقررت المديرة طردها وهي التي يربطها بالمؤسسة عقد عمل قانوني.

 طبعا هذه ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة التي يتم فيها الاستغناء عن خدمات الصحافيات والصحافيين في مؤسسات الإعلام التونسي أو كما أخيّر احيانا وصف أغلبها ب"حوانيت" الاعلام دون تبرير ولا تعويض ولا مراعاة للظروف المادية والنفسية للعاملين بهذه "الحوانيت". لكن حادثة سهام دقت ناقوس الخطر ونبهت كل المتدخلين في قطاع الإعلام الى الحالة المزرية التي يعيشها الصحافيون في تونس، ظروف عمل قاسية و تشغيل هش دون عقود عمل ولا تغطية صحية واجتماعية.

أقدم المتدخلون في القطاع وعلى رأسهم النقابة الوطنية للصحافيين التونسين والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على محاولات جريئة لتحسين ظروف عمل الصحافيين وخاصة الشبان منهم من خلال الضغط والتظاهر والنضال المستمر من أجل فرض الحقوق وافتكاكها من أرباب العمل وأصحاب المؤسسات الإعلامية. وأيضا من خلال فرض قوانين تضمن حقوق العاملين في قطاع الإعلام وتراعي حق المواطن في اعلام حر ونزيه وحرفي. وهذا لا يكون حتما إلا بحفظ كرامة الصحافيات والصحافيين وضمان حقوقهم المادية والإقتصادية.

النقابة الوطنية للصحافيين تستعد لاطلاق حملة واسعة تهدف إلى افتكاك حقوق العاملين في القطاع بعد أن بلغت موجة اهانة الصحافيين اقصاها في المدة الأخيرة. فقناة حنبعل الخاصة قررت تسريح مجموعة كبيرة من الصحافيين في خرق واضح لكل القوانين المحلية وهو ما دفع بالنقابة الى مقاضاتها، كذلك الشأن بالنسبة الى اذاعة اووازيس أف أم في قابس والتي قررت إغلاق المؤسسة والتخلي عن كل العاملين فيها دون أي تعويضات مادية. وهو ما سيحيلهم جميعا على البطالة. قناة تونسنا الخاصة أيضا قرر مالكها مؤخرا تسريح العاملين فيها وأغلق أبواب المؤسسة ومنعهم من دخولها في اعتداء صارخ على المهنة وممتهنيها. هذا غيض من فيض. ولا يسعنا هنا الحديث عن معاناة الزملاء العاملين في الصحافة المكتوبة وفي المواقع الالكترونية فهي لا تحصى ولا تعد. يبدو من خلال كل المعطيات أن المشهد قاتم وأن الإعلام التونسي سينساق الى الحضيض وأن القطاع سيكون مرتعاً للمتسلقين والمتزلفين وأنه سيسلك طريقاً غير التي نأملها من خلال سيطرة اللوبيات السياسية والمالية على أهم مفاصله. وهو ما يهدد حق الجميع في اعلام حر وديمقراطي وسيخدم بلا شك مصالح ضيقة وأجندات حزبية وفئوية لن تساهم الا في تكريس اعلام الدعاية السياسية الفجة التي ظننا أننا لن نعود إليها.

 وبالرغم من ثراء المشهد الإعلامي في تونس بعد أحداث 14 جانفي 2011 وخروجه من سيطرة الحزب الواحد ليدخل عهد التعددية الاعلامية. إلا أن عدة شوائب ما تزال موجودة فيه ومنها تواصل تشغيل الفاعلين في الحقل الإعلامي المكتوب والمسموع والمرئي والالكتروني بشكل هشّ وعدم احترام أصحاب المؤسسات للقانون العام للشغل والتشاريع الجاري العمل بها أو للقوانين الأساسية (ان وجدت) الخاصة بالمؤسسات الإعلامية المسموعة والمرئية والالكترونية أو للاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة.

هذه التجاوزات الشغلية باتت تتنامى في الفترة الاخيرة بشكل كبير كما أشرنا الى جانب تعمّد أصحاب العمل إتباع طرق فيها التحيّل في التشغيل والانتداب. وبدأت النقابات المهنية تسجّل عديد الخروقات المتعلقة بتشغيل الاعوان والصحافيين، الأمر الذي ينعكس بلا ريب على وضعهم المهني والاجتماعي واستقرار مواطن الشغل وبالتالي الإضرار بجودة المنتوج الاعلامي وحق المتلقي في اعلام موضوعي حر ونزيه في مرحلة انتقالية دقيقة تعيشها تونس.

اذا تمعّنا في آليات التشغيل المعتمدة في تونس، فهي تخضع عموما الى عدد من القوانين والتشريعات. وأبرز قانون تعتمده المؤسسات والافراد في اتمام اجراءات الشغل بين المؤجر والاجير هو القانون العام للشغل وهو القانون العام الذي ينظم العلاقات الشغلية في مؤسسات القطاعين العام والخاص والوظيفة العمومية ويتضمن جملة من التشاريع حول الانتداب وعقود العمل والعطل والعمل النقابي والاجتماعي والتصنيفات المهنية والطرد والاستقالات وغيرها… أما القانون الأساسي أو النظام الداخلي الذي تعتمده المؤسسة الإعلامية المسموعة والمرئية لضبط العلاقات الشغلية بين الإدارة والأجير، ويتم فيه ضبط حقوق وواجبات المؤجر والأجير وهو أقل سلطة من القانون العام لكنه يعتبر أرقى منه فيما يتصل بالامتيازات. أما الصحافة المكتوبة فهي تخضع الى أحكام الاتفاقية المشتركة وهو اتفاق اطاري يضبط العلاقات الشغلية في قطاع الصحافة المكتوبة بين المؤجر والأجير وتتضمن جملة من التشاريع تحتوي حقوق وامتيازات وواجبات الاجير (صحافي، عامل، تقني…). والاتفاقية المشتركة أقل سلطة من القانون العام لكنها تعتبر أرقى منه فيما يتصل بالامتيازات. إن وجود هذه التشريعات يجعلنا نتساءل عن الأساليب المعتمدة في التشغيل الهش. وعموما، فإن المشاكل الإجتماعية والمهنية للصحافي في تونس لا تبتعد عن تعمّد الإدارات والأعراف تجاوز القوانين والتشريعات الضابطة للعلاقة الشغلية، بمعنى أن انتهاك مجلة الشغل والقوانين الأساسية والإتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة وعدم احترام الضوابط التي تحتويها تمثّل العنوان الأكبر للشغل الهش في ميدان الاعلام، وهذه الانتهاكات يمكن تلخيصها في التجاوزات التالية:

عدم احترام القوانين المذكورة في مستوى العقود والاجور القانونية والضمان الاجتماعي والتحيل في مستوى  الترسيم وتعمّد الطرد التعسفي.

كما أن المؤجر يعمد الى ابرام عقد عمل لا يحترم الضوابط القانونية التي تؤكدها مجلة الشغل والقوانين الاساسية والاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة وغالبا ما تصب هذه العقود  في مصلحة المؤجّر وتتضمن أكثر ما يمكن من بنود تتحكم في الصحافي وتتقلص فيها الامتيازات.

من جهة ثانية فان القانون العام للشغل يضبط مدة ترسيم الصحافي (التثبيت في العمل) في اربع سنوات. ويمكن أن تكون منذ اليوم الاول للعمل. وفي هذا الإطار، يعمد أغلب المؤجرين وخاصة في القطاع الخاص الى عدم احترام هذه المدة بل يذهبون حد التحايل على احكامها وذلك بان يتم  ايقاف الصحافي عن العمل مدة قليلة قبل أن ينهي الاربع سنوات بهدف عدم ترسيمه أو تثبيته. ثم في مرحلة ثانية، يقوم مالك المؤسسة الصحفية بابرام عقد عمل جديد. وهكذا يتهرب المؤجر من تثبيته في العمل. أما فيما يتعلق بتأجير الصحافيين، فإن مجلة الشغل تضبط أجور الصحافيين حسب مستواهم العلمي وحسب أقدميتهم في العمل. وما تم تسجيله في هذا الصدد هو عدم احترام المؤجرين في القطاع الخاص لما ضبطه القانون العام والاتفاقية المشتركة، من تحديد لادنى الاجر المستحق. وتؤكد النقابات المهنية للصحفيين أن أغلب المؤسسات الاعلامية في القطاع الخاص تمتّع صحافييها بأجور لا تتعدى الاجر الادنى المضمون والذي تم ضبطه بين الدولة والاطراف الاجتماعي (250د) (120 دولار).

أما عن غياب الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية والصحية للصحافيين، فإن غالبية مؤسسات القطاع الخاص في تونس تتهرب أيضا من التزامتها في حماية أجرائها وصحافييها اجتماعيا وتمتيعهم بامتيازات الرعاية الصحية. فهم يتهربون مما ضبطه القانون لجهة تخصيص نسبة مئوية من الاجر الخام للصحافي لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ومن الطبيعي اذا تم حرمان الصحافي من الحماية الاجتماعية لدى الصندوق المذكور، فانه سيُحرم من الرعاية الصحية في المستشفيات العمومية.

ويبقى الطرد التعسفي أحدّ سيف مصلت على رقاب الصحافيين وخاصة الصحافيين الشبان. فالمؤجر يعمد الى هذا الاسلوب لتسريح صحافيين بشكل تعسفي دون احترام للتشاريع الجاري بها العمل في عملية الطرد والتسريح ودون اعلام الجهات الرسمية من وزارة الشؤون الاجتماعية وتفقدية الشغل. وعادة، يبرّر أصحاب العمل طرد الصحافيين بأن مؤسساتهم تمر بظروف اقتصادية صعبة تستوجب تسريح أو طرد عدد من الاعوان.

تفيدنا معطيات النقابات المهنية ومعطيات وزارة الشؤون الاجتماعية والادارة العامة لتفقدية الشغل بتونس أن ضحايا الطرد التعسفي من الصحفيين يبلغ سنويا اعدادا تتراوح بين 40 و100 صحافي. وينتمي هؤلاء في الجانب الاكبر منهم لمؤسسات القطاع الخاص بين السمعي والبصري والمكتوب والالكتروني. الا أن هذه الأرقام بدأت في الإرتفاع بشكل ملحوظ في المدة الأخيرة. لذلك، فإن الحملة التي دعت لها نقابة الصحافيين  بالاشتراك مع الاتحاد الدولي للصحفيين والتي اختير لها شعار "كلمة وحدة" دفاعا عن الحقوق المهنية للصحفيين تعتبر خطوة نوعية في سياق فرض الحقوق ومساءلة أرباب العمل وافتكاك الحقوق. وهذا لن يكون الا كما قال نقيب الصحافيين ناجي البغوري : "كلمة وحدة" ضد التشغيل الهش للصحفيين، "كلمة وحدة" ضد الاستغلال والفساد في مؤسسات الاعلام، "كلمة وحدة" ضد تدجين قطاع الصحافة والصحفيين من قبل لوبيات المال والسياسة، "كلمة وحدة" ضد التراجع عن حرية الصحافة.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني