في عدم مطابقة الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية لأحكام دستور 2014 والاتفاقيات الدولية المصادق عليها


2015-09-30    |   

في عدم مطابقة الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية لأحكام دستور 2014 والاتفاقيات الدولية المصادق عليها

ينص الفصل 230 من المجلة الجزائية على أن "اللواط والمساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقررة بالفصول المتقدمة يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ثلاث أعوام".

وبذلك، لا ينطبق الفصل 230 إلا على العلاقات الرضائية بين راشدين من نفس الجنس وفي إطار الحياة الخاصة، أي من دون مجاهرة بذلك. ويطرح هذا الفصل عديد المشاكل القانونية التي من شأنها أن تؤدي إلى عدم احترام الحياة الخاصة للأفراد وكرامتهم والتمييز ضدهم إلى جانب عدم تطابق الفصل 230 مع الضوابط  التي وضعها دستور 2014 للحد من الحقوق والحريات.

في عدم تطابق الفصل 230 مع مبدأ حماية الحياة الخاصة:

ينص الفصل 24 من الدستور على أنه:" تحمي الدولة الحياة الخاصة و حرمة المسكن…" كما تنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (و كل منهما مصادق عليه من قبل الدولة التونسية) على انه:" لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته.."

وبالرجوع إلى الفصل 230 من المجلة الجزائية فإننا نلاحظ أن مجال انطباقه بالأساس هو المجال الخاص (الحميمي) للأفراد وهو ما يجعل منهم مستهدفين بالتدخلات التعسفية في مجال حياتهم الخاصة قصد التثبت من مدى حصول الفعل المجّرم (اللواط أو المساحقة).

2- في عدم تطابق الفصل 230 مع مبدأ حماية الذات البشرية وحرمة الجسد:

ينص الفصل 23 من الدستور على انه :" تحمي الدولة كرامة الذات البشرية و حرمة الجسد و تمنع التعذيب المعنوي و المادي…" و هو ما كانت أقرته كل من المادتين 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية حيث ينصان على انه :" لا يجوز إخضاع احد للتعذيب و لا للمعاملة أو العقوبة القاسية أوللإنسانية أو الحاطة من الكرامة…" و تضيف المادة 7 من العهد انه :" وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على احد دون رضاه الحر…".

وبالرجوع للفصل 230 وتطبيقاته نلاحظ أنها تحط من كرامة الفرد خاصة عند اللجوء إلى إثبات الأفعال المجرمة بمقتضاه عن طريق الفحوصات الطبية للأشخاص المشتبه بهم أو المتهمين بهذه الأفعال. وهو ما حدا باللجنة الخاصة للأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إلى اعتبار فحوصات العذرية والفحوصات الشرجية من الأفعال التي تدخل في باب التعذيب وذلك في تقريرها السنوي الصادر في 3 أكتوبر 2014 وأوصت اللجنة في تقريرها بوجوب حظر هذه الفحوصات لضمان "الاحترام الكامل لكرامة الإنسان".ويكون الفصل 230 بما يفتحه من باب للفحوصات الماسة بحرمة الجسد وبكرامة الإنسان مخالفا لمقتضيات الفصل 23 من الدستور والفصلين 5 و 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص  بالحقوق المدنية و السياسية.

3- في عدم تطابق الفصل 230 مع مبدأ عدم التمييز:

ينص الفصل 21 من الدستور على أن: "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". وتنصّ المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "الناس جميعا سواء أمام القانون وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز…" كما تنص المادة 2 من العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه "تتعهد كل دولة  طرف في العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب".

هذا المبدأ الأساسي الذي يجعل من كل المواطنين والمواطنات متساوين في الحقوق بقطع النظر عن اختلافاتهم بما فيها الانتماء لجنس ما، تمت قراءته في فقه كل الهيئات الدولية المشرفة على إنفاذ الصكوك الدولية على انه يشمل أيضا منع التمييز على أساس الميولات الجنسية. وهو ما أكدته صراحة لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ملاحظتها العامة عدد 20 لسنة 2009 (الفقرة 27) حيث أقرت أن عبارة "…غير ذلك من الأسباب" يندرج في إطارها التمييز على أساس الميولات الجنسية. وكانت قد أكدت ذلك سابقا في بعض الحقوق كمنع التمييز على أساس الميول الجنسية في مجال الشغل (الملاحظة العامة للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عدد 18 فقرة 12 وفي مجال الحق في الصحة (الملاحظة العامة عدد 14 لسنة 2002 فقرة 18).

 نفس هذا التوجه أقرته لجنة مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة في الملاحظة العامة عدد 28 وقراءتها للفصل الثاني من المعاهدة والتي أقرت منع التمييز على أساس الميول الجنسية.

كذلك لجنة حقوق الطفل والتي قدمت توصيتها العامة عدد 4 لسنة 2003 معتبرة أن الفصل الثاني من معاهدة حقوق الطفل يشمل منع التمييز على أساس التوجيهات أو الميول الجنسية.

 كذلك لجنة مناهضة كل أشكال التعذيب و المعاملات القاسية و الحاطة من الكرامة والتي أقرت نفس هذا التوجه في ملاحظتها العامة عدد 2 لسنة 2008 وفي قرار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة عدد 1921/17 بتاريخ 15 جوان 2011 عبر هذا الأخير عن انزعاجه الشديد فيما يتعلق بالعنف المسلط على الأشخاص بسبب توجهاتهم الجنسية.

 أما اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان و الشعوب واستنادا إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وتحديداً المادة 2 منه والمتعلقة بمنع التمييز، فقد أقرت وجود أقلية جنسية (المثليين) والتي تتعرض لانتهاك حقوقها و للعنف (القرار عدد 275 الدورة العادية عدد 55 انغولا من 28 افريل إلى 12 ماي).

وبالنظر في الفصل 21 من الدستور، فإن عبارة منع التمييز جاءت على إطلاقها. وفي قراءة لها متوائمة مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والشرعة الإفريقية، تكون قراءة منع التمييز بصورة واسعة لتشمل التوجيهات أو الميول الجنسية. ويكون الفصل 230 من المجلة الجزائية في تعارض واضح مع مبدأ منع التمييز، بل انه يكرس التمييز بين المواطنين والمواطنات على أساس الميول الجنسية ويجعل من هذا الاختلاف فعلا مجّرما ويحد بذلك من الحقوق والحريات دونما انسجام مع فصول الدستور وأحكامه.
 
4- تعارض الفصل 230 مع أحكام الفصل 49 من الدستور المتعلق بالحدود المفروضة على الحقوق والحريات:

ينص الفصل 49 من الدستور على أنه: "يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة وذلك مع احترام التناسب يبن هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك..".
هذه الضوابط الهامة التي وضعها الدستور لحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك تشريعي كان أو ترتيبي أو غيره لا تتوفر في الفصل 230 من المجلة الجزائية والذي يجرم الاختيارات أو التصرفات الحميمية للفرد والتي يمارسها في فضائه الخاص على نحو لا يتعارض مع أي من القيود المفروضة دستوريا. فنظرا لكون الفعل سلوكاً رضائياً، فهو لا يلحق إذاً أي أذى بالغير ويمارس في الفضاء الخاص فلا علاقة له بالآداب العامة وليس من شانه أن يمس لا بالأمن العام ولا بالصحة العامة ويكون منعه وتجريمه متعارضين مع مقومات الدولة المدنية والديمقراطية والتي تقوم أساسا على احترام اختيارات الفرد وصون كرامته وحرمته. ويكون الفصل 230 من المجلة الجزائية عندئذ في تعارض واضح مع مقتضيات الدستور وتحديدا فصله 49.

وبتعارض الفصل 230 مع جميع مبادئ حماية حقوق الفرد وحرياته وتعسفه في التدخل في الحياة الخاصة للأفراد وعدم صون كرامتهم وحرمتهم وإحداث تمييز بينهم على أساس ميولهم فإنه يكون للهيئات القضائية أن تتكفل " بحماية الحقوق و الحريات من اي انتهاك" كما نص على ذلك الفصل 49 من الدستور وأكده الفصل 102 منه و الذي اقر انه:" القضاء سلطة مستقلة تضمنحماية الحقوق و الحريات".

ويعد الفصل 230 من المجلة الجزائية بذلك نموذجا عن النصوص القانونية التي تتعارض صراحة مع نص و روح دستور 2014 المبني أساسا على مبدأ صون كرامة الأفراد واحترام خصوصياتهم و حرمتهم و مع مختلف المعاهدات والمواثيق الدولية الرافضة للتمييز المبني على الميول والاختيارات والتوجهات الجنسية للأفراد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني