تونس في حالة طوارئ: الخوف من الارهاب و…على الحرية


2015-07-06    |   

تونس في حالة طوارئ: الخوف من الارهاب و…على الحرية

في 04-07-2015، أعلن رئيس الجمهورية التونسية باجي قائد السبسي حالة الطوارئ في تونس، هذه الحالة التي تمنح السلطة التنفيذية ممثلة في وزير الداخلية والوالي صلاحيات هامة تصل الى فرض حظر التجوّل وفرض الاقامة الجبرية. كما تمنحها حقّ الإذن بتفتيش أماكن السكن دون اذن قضائي. برّر رئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ في الكلمة المتلفزة التي ألقاها بانهيار الوضع الاقتصادي الذي يعود لتحركات اجتماعية اعتبر بعضها مشروعا والجانب الاكبر منها غير مشروع، والتحديات التي تواجهها الحكومة والإرهاب. واكتفى البيان الملحق بالإعلان عن حالة الطوارئ بالإستناد للخطر الإرهابي كسبب لحالة الضرورة التي تبرر إعلان الطوارئ بعد أن اعتبر أن الارهاب بات يهدد استمرارية الدولة خصوصا بعد العمليتين اللتين استهدفتا المنتجع السياحي في سوسة في 26-06-2015 والمتحف الوطني بباردو في 18-03-2015. كما أضاف البيان في سياق تعداد المخاطر.تمدّد المجموعات التي تعدّ إرهابية جنوبا في ليبيا على مقربة من الحدود التونسية.

ويكشف تتبع العمل التشريعي خلال الشهر الفائت عن مؤشرات تؤكد أن حالة الطوارئ التشريعية انطلقت قبل إعلان حالة الطوارئ ذاتها. فقد التزم رئيس مجلس نواب الشعب التونسي محمد الناصر في أول رد فعل له بعد عملية سوسة بأن يصادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون مكافحة الإرهاب في الجلسة المزمع انعقادها في 25-07-2015[1] أي في الجلسة التي توافق تاريخ إعلان الجمهورية. وأدى هذا التعهّد الى تطوّر نسق عمل اللجان النيابية على مشروع القانون بشكل دفع رئيسة لجنة الحريات العامة بمجلس نواب الشعب الناشطة الحقوقية الأستاذة بشرى بالحاج حميدة للتعبير عن خشيتها من أن تؤدي تلك السرعة لأن يتعارض مشروع القانون مع مضامين الدستور[2].

هذه الخشية سبقها تحضير مشترك بين مكتب مجلس نواب الشعب والحكومة لمنع سنّ إصلاحات تشريعية قد تتعارض مع قانون الإرهاب وتحرج أحكامه الإستثنائية. فتولت الحكومة التونسية في 22-6-2015 سحب مشروع القانون عدد 13 لسنة 2013 المتعلق بإتمام وتنقيح بعض أحكام مجلة الاجراءات الجزائية.كما تولت ذات الحكومة في 2-7-2015 سحب مشروع قانون اساسي عدد 2014/55 يتعلق بالحقّ في النفاذ إلى المعلومة. سحبت الحكومة مشروع قانونين سبق وأن ضمنتهما في قائمة الأربعة وعشرين قانونا التي طلبت أن يستعجل مجلس نواب الشعب النظر فيها. وورد سحب الحكومة للمشروعين بعد أن أتمت اللجان الفنية لمجلس نواب الشعب نقاشها وكان يفترض أن تحيلها للجلسة العامة للمجلس التشريعي للمصادقة عليها. ولا يمكن فهم خطوة الحكومة تلك الا بربطها بمشروع قانون الارهاب وبالتالي بالحرب على الارهاب.

برر وزير العدل صراحة طلبه سحب مشروع قانون تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية بكون هذا المشروع ومكتب المجلس "اعتبرا أنه من المفيد أن نقوم بمزيد من التدقيق والتعمّق في هذا النص القانوني في مختلف جوانبه خاصة بالنسبة إلى ضمانات المحتفظ به وتواجد المحامي منذ الساعات الأولى للإيقاف"[3]. كما أضاف الوزير "أن المسألة لن تتجاوز بضعة أيام ومن المنتظر أن يعود المشروع ليتم ترتيبه حسب الأولويات في أعمال مجلس نواب الشعب"

ربط تصريح عضو الحكومة بين ضمانات ذي الشبهة عند الاحتفاظ به لدى باحث البداية وسحب المشروع وعاد ليربط بين معاودة نقاش المشروع بعد تعديله وبين رزنامة عمل مجلس نواب الشعب. ويبدو جليا تبعا لذلك أن سحب المشروع كان على علاقة بحسن النظر في مشروع قانون مكافحة الارهاب. فمشروع قانون مكافحة الارهاب أجل الاحتفاظ بالمشتبه بهم الى خمسة أيام تقبل التمديد لمرة واحدة لذات المدة فيما كان مشروع تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية يهدف لتنقيح الفصل 13 مكرر من المجلة الجزائية بما يؤدي لتنقيص مدة الاحتفاظ بالمشتبه بهم لدى مصالح الامن من ثلاثة أيام تقبل التمديد لذات المدة لمرة واحدة الى 48 ساعة تقبل التمديد لمرة واحدة بقرار معلل من القضاء. كما كان مشروع تنقيح المجلة الجزائية يكرس حق المحتفظ به في الاتصال بمحاميه بمجرد ضبطه. ويتبيّن جليا أن فلسفة مشروع قانون مكافحة الارهاب تصادمت مع الرؤية الحقوقية لمشروع تنقيح مجلة الاجراءات الجزائية. فاختارت الحكومة ومكتب مجلس نواب الشعب رفعا للحرج أن تتم التضحية بإصلاح مجلة الاجراءات الجزائية خدمة للأحكام الاستثنائية التي سيكرسها قانون مكافحة الارهاب. وذات التضحية أقصت مشروع قانون حقّ النفاذ للمعلومة والذي يكرّس حقّ طلب المعلومة من الجهات الادارية ويمنع حجب لمعلومات كلما تعلّق الأمر بانتهاكات حقوق الانسان. فقد استوجب هنا أيضا أن يسحب المشروع في ظل مزاج حكومي وتشريعي يؤكد الحاجة الى أحكام استثنائية تضمن النجاح في الحرب على الارهاب.

أربك الإرهاب الديموقراطية التونسية الناشئة وأدى الى فرض حالة طوارئ لم نتبين بعد الاجراءات الاستثنائية التي ستقودنا إليها. كما أربك الإرهاب توجّه المشرّع التونسي نحو إصلاح المنظومة التشريعية وأدى لاستيلاد حماسة تشريعية لسن قوانين استثنائية. وتاليا، يخشى أن تفرض الحرب على الإرهاب ثقافة الأحكام الإستثنائية في تونس، فتتأثر تشريعاتها الأساسية بها بدل أن تشكل ضابطا لها. كما يُخشى أن يطول أمد الاستثناء، فيتحول بفعل حداثة تجربة الديمقراطية، الى قاعدة. أيّاً يكن مآل إعلان الطوارئ غدا، لا نبالغ اذا قلنا أن الخوف من الارهاب بات اليوم ملازما للخوف على الحرية.
 
  للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط



[1]http://www.radiojeunes.tn /
[2]"قالت رئيس لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب بشرى بالحاج حميدة أمس اثناء مناقشة مشروع قانون مكافحة الارهاب وغسل الاموال أن التمشي في مناقشة مشروع القانون لا يساعد في فهم مضمون الدستور وشددت على أن قانون مكافحة الارهاب لا يمكّن وحده من مقاومة ظاهرة الارهاب وهددت بالاستقالة من رئاسة اللجنة إذا بقي التمشي على هذه الشاكلة "الشروق التونسية"، 02-07-2015.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني