كلام حول “التعذيب” بمناسبة اطلاق مركز نموذجي للطب الشرعي في لبنان


2015-06-30    |   

كلام حول “التعذيب” بمناسبة اطلاق مركز نموذجي للطب الشرعي في لبنان

بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، أطلقت جمعية "ريستارت" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، خلال مؤتمر عقد نهار الجمعة 26/6/2015 في بيت المحامي-بيروت، أول مركز نموذجي للطب الشرعي بدعم وتمويل من الاتحاد الاووبي وبالشراكة مع وزارة العدل، سيتم افتتاحه في قصر العدل في طرابلس.

ومن أهداف هذا المركز، توفير الفحص الطبي لكافة الأشخاص الموقوفين، وتحديد المشاكل والأمراض الصحية التي يعانون منها. كما يهدف الى الكشف عن حالات التعذيب وأي شكل من أشكال سوء المعاملة أو العقوبة القاسية. وتوثيق حالات التعذيب. وبالأخص يهدف الى تكوين ملف ذات قيمة قانونية بناء على بروتوكول اسطنبول دليل التقصي والتوثيق لادعاءات التعذيب وبموافقة خطية من الشخص الموقوف وتقديمها مباشرة للقضاء المختص. وسيتم تقديم تقرير سنوي لوزارة العدل وعبرها للهيئات القضائية عن اعمال ونشاطات المركز.

141دولة في العالم تعتمد التعذيب

وفي حديث مع "المفكرة القانونية" لفتت رئيسة مركز "ريستارت" سوزان جبور الى ان حوالي 141دولة في العالم تعتمد اسلوب التعذيب في انتزاع الاعترافات من الموقوفين الذي يخضعون لضروب الشدة والقساوة. كما أكدت ان الفيديو الذي ظهر حول التعذيب في سجن رومية لم يات بشيء جديد وانما جاء ليبرهن بأن هذه الممارسات قائمة مثلما أكدت عليها التقارير الصادرة عن لجنة مناهضة التعذيب واللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب في العام 2010.

وعن السبب وراء تفضيل انشاء هذا المركز الأنموذجي في طرابلس (وليس في العاصمة بيروت)، تقول جبور:" ليس لأن ضحايا التعذيب في الشمال هم أكثر من باقي المناطق، ولكن ببساطة لأن مركز "ريستارت" الذي سيتولى ادارة المركز لأول سنتين موجود في طرابلس. وبعد هاتين السنتين، ستعمد وزارة العدل الى تقييم التجربة وتعميمها على المحافظات".

وعن الموعد لبدء العمل في هذا المركز أجابت:"نحن الآن بصدد التوقيع على مذكرة تفاهم مع وزارة العدل وهذه المذكرة باتت موجودة في هيئة القضايا والتشريع وأصبحنا في المراحل الأخيرة للتوقيع".

ليس غريباً، خلال انعقاد مؤتمر بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، أن يجري تناول موضوع فيديو "التعذيب في سجن رومية" الذي أحدث انتشاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي بلبلة في البلاد. فالسلطة التي طالما أنكرت رواج التعذيب في سجونها أو أن يكون ممنهجا، تجد نفسها محرجة أمام هذه المشاهد الذي يشكل دليلا ساطعا أسقط ورقة التين عن المقصرين. وعليه، لم يعد بالامكان لملمة الأمور بإجراءات مؤقتة فعلى لبنان التزامات يجب تطبيقها عملاً بالإتفاقيات الدولية التي قام بتوقيعها، وبالتالي من واجب المعنيين البحث عن آليات وقاية دائمة.
وفي هذا السياق أكد رئيس اللجنة النيابية لحقوق الانسان النائب ميشال موسى، ان هناك العديد من الموضوعات التي تطال حقوق الانسان التي تحتاج الى المتابعة. الا ان المشكلة تكمن في الدرجة الأولى "بالارباك الموجود في انعقاد مجلس النواب والارباك الحاصل في مجلس الوزراء مما يدفع بجميع الموضوعات الى التوقف الى حين الانطلاق من جديد".

موسى تحدث عن اقتراح قانون مقدم الى مجلس النواب بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان ومناهضة التعذيب. وقد أخذ هذا الاقتراح طريقه الى اللجان النيابية ثم أقر من قبلها وأصبح جاهزاً لعرضه على مجلس النواب والهيئة العامة ولكن المجلس لا ينعقد. ورأى موسى انه "ما كان يجب انتظار ان يأخذ حدث معين ضجة لدى الرأي العام لتتحرك الجهات المعنية، بل ان هذا الموضوع كان يستحق ان تعقد جلسة خاصة من أجل إقراره. وكان ليوفر علينا الكثير من الامور". لافتاً الى أن "الهدف من هذه الهيئة هي أن تطلع على الأمور وان تعالج وتقارب حقوق الانسان والتعذيب من موقع مستقل وليس من موقع السلطة،حيث ان الدولة لا يمكنها ان تراقب نفسها".

بدورها، أشارت المديرة العامة لوزارة العدل ميسم النويري الى أن السلطات المعنية "دأبت الى اتخاذ التدابير الواجب تنفيذها حسب توصيات لجنة مناهضة التعذيب لدى الأمم المتحدة، الرامية الى حماية الأفراد من التعذيب اضافة الى توصيات اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب التي تقدمت بتقريرها الى لبنان عام 2010". ورأت النويري ان الكل يقوم بواجبه سواء أكانت وزارة الدفاع أم الداخلية. وقالت:"يجب ان نتساعد سويا لنصل الى الهدف المشترك. واذا كان هناك "تخبيص" من هنا او هناك فنحن رأينا ان هذا الامر يحصل بمبادرة فردية بدون اية أوامر من مرجع عالي ونحن هنا لسنا بوضع محاكمة "فلان او علاّن" وانما نريد التعاون بعضنا مع بعض وان نضع النقاط على الحروف. لا شك ان هناك تقصيرا ولكن فعلا ان كانت وزارة الداخلية او وزارة الدفاع "الله يكون بعونن" لان الحمل عليهم ثقيل جداً".

شهادة قاضي

تلا مداخلة كل من النائب موسى والقاضي نويري تعليقات ومداخلات من الحضور فكان للقاضي حمزة شرف الدين، رئيس لجنة تنفيذ العقوبات في محافظة البقاع وبيروت والجنوب، شهادة تحدث فيها عن وقائع لحالات تعذيب تتخطى جدار سجن رومية لتصل الى جزين وقال:"لفتني خلال جولتي على "سجن جزين" وجود موقوفين بلا أسنان، أحدهم يعاني كسراً في ضلوعه وآخر يعاني من فقدان جزئي لذاكرته نتيجة الضرب والتعذيب".

وأشار الى ان"ما يحصل في سجن رومية ليس شيئا أمام ما يجري في سجن وزارة الدفاع وسجون مخابرات الجيش البعيدة عن الاعلام والتي تعد "تابوا" وتمنع الجمعيات من الدخول اليها. وأشار الى صلاحية قائد الجيش برفض مثول عسكري معتدي أمام المحكمة العسكري او قاضي التحقيق العسكري مما يعني تفلته من العقاب".

بدوره سأل المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية ان كان يجري التفكير بتشكيل لجنة تحقيق نيابية في موضوع سجن رومية للوقوف على الأحداث، على اعتبار أن تحقيقات المحكمة العسكرية هي في مبدئها غير موثوقة. فجاء جواب النائب موسى بأن معظم اللجان النيابية تنشأ على خلفيات سياسية بين فرقاء سياسيين وقال:"لننتظر القضاء ان يصدر أحكامه في هذا الموضوع ومن الواضح ان القضاء يتوسع بالتحقيق على امل ان يكون هناك اجتماعات قريبة لمجلس النواب وان تتمكن من انشاء هيئة الرقابة على مواضيع وهذا أفضل من اللجنة السياسية".
الموقوفون ليسوا قديسين

وردا على سؤال ان كان التحقيق سيقتصر على ما عرض في الفيديو أم سيطال الجوانب التي بقيت مخفية، ردّ المحامي العام التمييزي القاضي شربل أبو سمرا:"نحن ندافع عن الموقوفين وكأنهم أبرياء أتوا برسالة قدسيّة وقامت الأجهزة الامنية بسجنهم". وهو بذلك يذكر ضمنا أن هؤلاء متهمون بالارهاب. وأردف: "طبعا هذا لا يبرر التعذيب ولا ظروفهم المعيشية في السجن. ولكن دعونا نتذكر اننا في بلد أكثر من 40% من سكانه يعيشون في منازل غير لائقة وهؤلاء ليسوا مجرمين. لذلك لا نحمل القصة أكثر مما تحتمل".

ثغرات في اقتراح قانون التعذيب

 وخلال المؤتمر علق المحامي زياد عاشور من جمعية عدل ورحمة على اقتراح القانون الرامي لمعاقبة التعذيب بصيغته النهائية  الذي قدم في 12 كانون الثاني2012  وأجرى مقارنة بينه وبين مسودة اقتراح أعدت في العام 2011 عمل عليها المجتمع المدني مع النائب غسان مخيبر، بالتعاون مع مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان.

الثغرات الواردة في النص تبدأ من المادة الاولى بحسب عاشور وقال:"بحسب الاقتراح يقصد بالتعذيب ذلك الذي يجري في فترة الاستقصاء الاولى والتحقيق القضائي والمحاكمات وكل شيء خارج هذا الاطار لا يعتبر تعذيباً. وهنا نرى التباعد مع المادة الاولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تشمل التعذيب الحاصل في أماكن الاحتجاز، حتى ولو لم تكن مرتبطة بالتحقيقات. وهذا الأمر لايمكن تصحيحه الا عن طريق المجتمع المدني الذي من واجبه ان يشكل مجموعات ضاغطة lobbying"" للضغط والتصحيح". تابع"اما فيما خص العقوبات فنجد انها تصل الى ثلاث سنوات وهي عقوبة غير رادعة ولا تتلاءم مع خطورة جريمة التعذيب".

ولفت عاشور ان من ضمن الاقتراحات للمسودة هو عدم سقوط ملاحقة جرائم التعذيب بمرور الزمن، فيما أن الاقتراح الجديد يقول بخلاف ذلك. واعتبر عاشور ان أهم ما تضمنته المسودة وتم اسقاطه هو تعديل اصول المحاكمات الجزائية التي تتعلق بتفعيل حضور المحامي في التحقيقات الاولية وتفعيل حضور الطبيب.

لكن على الرغم من الثغرات والنواقص، أكد عاشور أن ثمة حيرة لدى المنظمات بين المطالبة بتعديل هذا الاقتراح قبل عرضه على الهيئة العامة، أو المضي به على أساس أن ايجابياته على الصعيد التشريعي أهم من السلبيات أو الثغرات التي يتضمنها.

تبعا للمؤتمر، عقدت عدد من المنظمات الحقوقية مؤتمرا صحافيا مشتركا أصدرت خلاله بيانا أعلنت فيه التضامن الكامل مع ضحايا التعذيب كافة، من دون أي تمييز على اساس المعتقد أو الدين أو اللون أو الجنسية أو الجنس أو الميل الجنسي أو أي اعتبار آخر، فضلا عن الطلب من السلطات اللبنانية التشريعية والتنفيذية اتخاذ ما يلزم من اجراءات لمواجهة ممارسات التعذيب وتجريمه بعقوبات رادعة وغير قابلة لمرور الزمن، وتعزيزه بقوانين وقائية، لاسيما ضرورة إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في أسرع وقت ممكن، ليتسنى لها التحري عن أفعال التعذيب بشكل مستقل وشفاف وشامل في سجن رومية وجميع مراكز الحرمان من الحرية. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني