قضية الاعتداء على المحامية رانيا غيث:


2015-06-12    |   

قضية الاعتداء على المحامية رانيا غيث:

بتاريخ 8/6/2015، تعرضت المحامية والناشطة رانيا غيث لاعتداء من قبل أحد عناصر الاستقصاء التابعين لموكب لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وذلك في محلة القنطاري بيروت. وفي التفاصيل أن غيث كانت تقف عند إشارة برج المر وقد صادف مرور الموكب. ولأن الإشارة كانت حمراء، رفضت غيث أن تخالف قانون السير الجديد الذي قيل منذ فترة أنه أدخل لبنان في مصاف الدول الريادية، حتى ولو من أجل مواكب "مين ما كان صاحبه".

لكن كما هو حال مجمل مواكب شخصيات هذا البلد، لا يخلو هذا الموكب من "القبضايات"، الذين تشعرهم وظيفتهم بأنهم باتوا أعلى شأناً من المواطنين العاديين، فيخالون انهم فوق القانون لا بل أنهم القانون نفسه، وبإمكانهم ان يحركوا الناس كيفما يشاؤون. وعليه، ترجّل أحد عناصر الموكب بلباس مدني، يستعجل السيارات ملزماً ايّاهم بتخطي الاشارة الحمراء. وفي هذا السياق، اقترب العنصر من سيارة غيث وطلب اليها بعصبية ان تسير قدما فرفضت، لان إشارتها حمراء والشخص الذي يأمرها ليس شرطي سير بل مجرد مدني من موكب مجهول يأمر وينهي دون مسوغ قانوني له. اذ تغلّب المادة 67فقرة ج من قانون السير الجديد إشارات عنصر الشرطة المكلف بتنظيم السير على إشارة المرور، فان هذه المادة تفترض أن يكون شرطياً، ورجل الموكب ذاك ليس كذلك.

"بدي قطعك تقطيع"، كلمات قالها لها قبل أن ينقضّ على سيارتها. اقتحمها وراح يشدّ شعرها ويشدها من كتفها. وفي هذه اللحظات، رأى المحامي نبيل يونس المشهد فترجّل من سيارته ليوقف الاعتداء، ففرّ العنصر بعيدا بعد تدخل رفاق له قاموا بتهريبه.

قبل ان تدرك ما حصل معها، وفي خضم دوامة الرعب التي كانت تعيشها لجريمة لا تعرف ما هي، خلعت غيث، حذاءها، ذو الكعب العالي، لتتمكن من الركض واللحاق به كي لا يهرب. فهي لم تخطئ وهو اعتدى عليها دون وجه حق ويستحق العقاب. راحت تصرخ بقوة تطلب من الناس إيقافه، ولكن أحداً لم يجرؤ على التحرك أمام مشهد كان صادما من ألفه الى يائه. اذ ذاك، استحصلت على تقرير طبيب شرعي، وتقدمت على أساسه بشكوى يوم وقوع الجريمة في مخفر ميناء الحصن- فردان. وعند الاستماع الى قصّة غيث في المخفر، سرعان ما نتبيّن أنّ شروط التحقيق هنالك تشكّل جزءا من استباحة المواطن وصدّه عن تقديم شكاوى ضد عناصر الأمن. فبانتظار الاستماع اليها، مكثت غيث ست ساعات في غرفة الانتظار، والى جانبها عدد من عناصر الموكب ومن بينهم الشخص المعتدي.

وتبعا لذلك، توالت فصول القضية، هذه المرة أمام المحكمة العسكرية على اعتبار أنها صاحبة الاختصاص للنظر في الاعتداءات المرتكبة من عناصر الأجهزة الأمنية.

واثر تلقي أنباء عن انعقاد جلسة من قبل قاضي التحقيق هاني الحجار لدى المحكمة العسكرية في 10/6/2015، تداعى مواطنون الى وقفة تضامنية أمام المحكمة العسكرية لدعم غيث، وقد لبى الدعوة حوالي العشرة منهم. وتؤكد هذه الأخيرة أن مجموعة من الناشطين أعلموها أنهم تلقّوا اتّصالات من جهات "أمنية"، لثنيهم عن المشاركة في الوقفة التضامنية بحجة أنها هي المعتدية وأن فيديوهات ستثبت قريبا ذلك.

وفي الجلسة المقررة، لم يستمع قاضي التحقيق هاني الحجار الى المعتدى عليها، رغم اعلان رغبتها بالادلاء بافادتها، ولم يتسن لها ابراز تقريرالطبيب الشرعي. كما لم يستدعَ شاهد العيان على الحادثة المحامي نبيل يونس، رغم إشارة غيث في شكواها إليه، علما أنه كان يقف على باب المحكمة بإنتظار الإدلاء بشهادته. وقد انتهت الجلسة بالإفراج عن العنصر م.ن. على أساس قانون أصول المحاكمات الجزائية التي لا تجيز التوقيف في حالات مماثلة، تكون فيها عقوبة الجرم أقل من سنة. وفي الوقت نفسه  علم المتضامنين أن العنصر المشكو منه قد قدم بدوره شكوى مقابلة، لكن لم يتسنّ التأكد من ذلك.

وما أن أخذ المتضامنون علما بالإفراج عن المعتدي، حتى توجهوا الى بيت المحامي لمطالبة نقابة المحامين في بيروت بالانضمام الى الشكوى. إلا أن نقابة المحامين لم تتخذ أي موقف بداعي وجود النقيب وغالبية اعضاء مجلس النقابة في الخارج.

وفيما تكشف القضية عن حالة اعتداء جديدة من عنصر أمني ضدّ مواطن، فانها تكشف عيوب التنظيم القضائي وخصوصا لجهة صلاحية المحكمة العسكرية في محاكمة أي اعتداء مرتكب من قبل عنصر أمنيّ أو مرتكب ضدّه. ومن شأن هذا الأمر يولد ارتيابا مشروعا لدى أي متقاض أمامها حول استقلالية هذه المحكمة أو حياديتها. فأن تُنظر القضية من قبل قاض منفرد  عسكري، يولّد طبعا شعورا محقا باحتمال انحياز هذه المحكمة للخصم العسكري ولأقواله وادعاءاته. وما يزيد الطين بلة هو أنه ليس للمتضرر (الضحية وهي غيث في هذه الحالة)  اتخاذ صفة الادّعاء الشخصيّ أمام هذه المحكمة، فلا يكون له تاليا حق المثول أمامها أو الدفاع عن وجهة نظره. فتجري اذ ذاك المحكمة بحضور العنصر المشكو منه (العسكري) أمام قاض هو ضابط عسكري من دون حضور المعتدى عليها. وعليها اذ ذاك أن تنتظر حتى نهاية الدعوى، فاذا حكم عليه القضاء العسكري (وفقط اذا حكم عليه)، كان لها اللجوء الى القضاء المدني  للمطالبة بتعويض عن الضرر الذي تكبدته من جراء هذا الاعتداء. وقد اشارت المفكرة القانونية في عددها الأخير حول تعارض هذه الأصول مع مبادئ المحاكمة العادلة وتحديدا مع قاعدة جوهرية تقول بوجاهية المحاكمة، أي بحق كل طرف بمواجهة الخصم بحججه، والمكرّسة مثلاً في المادة 143من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كما يسجل ختاما أن وزير الداخلية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يبقيان في ظل كل ذلك مسلحين بالصمت، علماً أن أقل ما يتوجب فعله في حالة كهذه، هو الاعلان عن اتخاذ تدابير مسلكية بحق هذا العنصر الذي لا يجد حرجا في الاعتداء على المواطنين أمام الملأ. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني