تقييم أداء القضاة التونسيين: تصورات لتقييم موضوعي يضمن حق المواجهة


2015-05-22    |   

تقييم أداء القضاة التونسيين: تصورات لتقييم موضوعي يضمن حق المواجهة

تحاول الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي في تونس ارساء نظام تقييم جديد للقضاة يقوم على إخضاع عناصر تقييم عمل القضاة وكفاءتهم لمعايير موضوعية أولا ولتمكين القاضي من الاطلاع على تقييم رؤسائه في العمل لأدائه ثانيا ومن حق الاعتراض على هذا التقييم ثالثا. ورغم أن التجربة لم ينضج تصورها في نصوص ترتيبية توضح اجراءاتها وتحدد ضوابطها، فإن أهمية التطور الذي تبشر به جعلتها محل اعتراض من عدد من المشرفين على المحاكم.

وتتولى القاضية التونسية ليلى الزين عضو الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي الكتابة للمفكرة القانونية عن تفاصيل التجربة والصعوبات التي تعترضها. فمن الهام جدا أن تتابع التجربة التي تعد ضمانة جديدة من ضمانات استقلالية القضاء في مواجهة “سلطة القضاة” كما يؤمل أن تتطور التجربة في اتجاه يضمن حسن تقييم القضاة بحثا عن اعطاء المكانة للكفاءة وكما يضمن حق القضاة في الطعن في تقييمهم متى كان مجحفا بحقوقهم (المحرر).

ورثت الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي من مجالس القضاء التي كانت تعد الحركة القضائية نظام تقييم للقضاء من خصائصه انه “محدود في عناصر تقييمه” ويعطي للرئيس المباشر للقاضي صلاحية التقييم واسناد عدد صناعي لا يحق للقاضي العلم به أو الطعن فيه.
وكانت ادارة المصالح العدلية بوزارة العدل تطلب سنويا من المشرفين على المحاكم تدوين تقييمهم للقضاة الذين يعملون في دائرة نظرهم باعتماد عنصري نشاط القاضي والمواظبة وتطلب منهم تقييم القاضي بشكل حر مع إبداء ملاحظات في شأنه. كما تطلب من المشرفين على القضاة على مستوى دوائر محاكم الاستئناف إسناد أعداد صناعية للقضاة تعتمد في تقدير مستحقاتهم من منح الإنتاج. وكان ما يدون من ملاحظات حول شخص القاضي يعد عملا إداريا سريا لا يحق للمعني به الاطلاع عليه وذلك رغم أن قانون الوظيفة العمومية في تونس يمنح غير القضاة من الموظفين العموميين حق الاطلاع على اعدادهم الصناعية والطعن فيها.

سعت الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي بعد تركيزها الى تطوير عناصر التقييم بالتوسع فيها فباتت تشمل الكفاءة الصناعية والالتزام المهني والأخلاقي والمواظبة في العمل مع الإبقاء على التقييم السري. وقد كشفت التجربة أن عناصر التقييم المعتمدة قبل انشاء الهيئة لم تسمح لها بتكوين صورة دقيقة عن مؤهلات القاضي الصناعية وقدراته المهنية وتاليا بتكوين تصور يضمن نسب نجاح عالية في انتقاء المرشحين للخطط القضائية، خاصة حينما يتمّ التعيين في خطة وظيفية أولى.

اذ ذاك، كان بامكان الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي وقد باشرت مدة عملها على نهايتها ان تترك امر تصور اصلاح نظام تقييم القضاة للمجلس الاعلى المرتقب لكن اعضاءها اختاروا ان يستعينوا بما اكتسبوه من خبرة وما استقوه من معطيات من التجارب المقارنة ليطرحوا تجربة نظام تقييم جديد يقطع جذريا مع النظام الموروث ويطمح لتحقيق موضوعية وشفافية تقييم القضاة، على أمل أن تسمح تجربة التقييم المستحدثة للمجلس الاعلى للقضاء من استخلاص النتائج من التجربة والاستفادة منها.

فما هي المعايير التي تضمنها نظام التقييم المستحدث وما هي آلياته؟

معايير التقييم

اختارت الهيئة ان يتم تقييم القاضي اعتمادا على ثلاثة أسس هي:

1. تقييم المؤهلات الشخصية العامة وتضمّ احد عشر عنصر تقييم يتعلّق بسلوك القاضي وقوة شخصيته وكيفية تعامله مع محيطه من مساعدي القضاء ومتقاضين،

2. تقييم المؤهلات المتعلقة بجودة العمل وتضمّ خمسة عناصر تقييمية وتمثّل المعيار الصناعي والعلمي المرتبط أساسا بالكفاءة ويتعلّق بحرص القاضي على تحيين المعلومة القانونية من خلال المشاركة في الدورات التكوينية والقدرة على إيجاد الحلول لمختلف الاشكاليات القانونية المعروضة عليه من خلال منهجية قانونية سليمة والقدرة أيضا على تسيير وإدارة الموارد البشرية بالمحكمة التي يترأسها،

3. تقييم المؤهلات المتعلقة بالقدرة على انجاز العمل وتضمّ ثمانية عناصر تقييمية وتمثّل المعيار المرتبط بالمواظبة والانتظام في العمل والانخراط في ثقافة الفريق بالنسبة لأعضاء النيابة وكذلك التحكّم في التكنولوجيات الحديثة لتسهيل انجاز العمل في اقصر الآجال.

ويكون التقييم كما هو الشأن بالنسبة لأغلبية البلدان التي تعتمد هذا النظام بمنح درجات تتراوح بين الممتاز ودون المقبول وهي مفصّلة كالاتي:

الممتاز: وهو القاضي الذي ينجز عمله بدرجة عالية من النجاعة والجودة

الجيّد :وهو القاضي الذي ينجز عمله دون تأخير وعلى احسن وجه

المقبول: وهو القاضي الذي ينجز عمله بطريقة عادية ومرضية،

دون المقبول: وهو القاضي الذي يجد صعوبة في إتمام عمله او لا يتمّه على الوجه المطلوب،

وسيساهم هذا التقييم بعد اتمامه في ابراز الكفاءات القضائية وتحديد الاختصاصات واختيار القاضي المناسب للخطة المناسبة.

آليات التقييم

يتم التقييم بواسطة الرئيس المباشر للقاضي أي وكيل الرئيس أو رئيس الدائرة بمشاركة رئيس المحكمة أو الرئيس الاولويتم تقييم قضاة النيابة بنفس اجراءات تقييم قضاة المجلس أي بواسطة وكيل الجمهورية أو الوكيل العام وذلك بتعمير جدول المعايير ومنح درجة لكل قاض طبق الدرجات المحدّدة (ممتاز _ جيد _ مقبول _ دون المقبول).

وفي مرحلة ثانية وانطلاقا من مبدأ حق القاضي في الاطلاع على تقييمه، يتم اشعاره بما دوّنه رؤسائه في حقه وله ان يعترض على ذلك بتقرير كتابي ينهيه الى الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في اجل 7 أيام من تاريخ امضائه على حصول الإشعار، وبذلك تكون للقاضي مساهمة فعّالة في تطوير نظام التقييم.

وتنظر الهيئة بواسطة لجنة خاصة (لجنة التقييم) في هذا الاعتراض قبل الشروع في اعداد الحركة او اثناءها-حسب الوقت المتاح –.
و تجدر الاشارة الى ان الهيئة وعند قيامها بزيارة محاكم الجمهورية بجميع اصنافها تولت التعريف بمشروع التقييم الذي ستطبقه هذه السنة وتناقشت مع القضاة حول معاييره وآلياته وحتى صعوباته المحتملة. فتطبيق نظام التقييم يستوجب علم القاضي بآلياته واقتناعه بالجدوى منه وحاجة العدالة الى ارسائه حتى تكون كفاءة القاضي ونزاهته أهمّ المعايير التي تحدد تقدّمه في عمله.

غير ان هذا لا يمنع من القول ان لكل نظام جديد معوّقات ونقائص تحكمها وتتسبب فيها عدة عوامل.

الصعوبات والنقائص في تطبيق نظام التقييم

لا شك ان النقائص والصعوبات هي ظرفية سيتم تجاوزها مرحليّا قبل ان يكون نظام التقييم ركيزة من ركائز استقلال القضاء في بلادنا. ويمكن حصر الصعوبات والنقائص في المسائل التالية:

أولا، ما يحدث في الوسط القضائي من اعتراض على اصدار قانون المجلس الأعلى للقضاء دون مراعاة لمقومات السلطة القضائية المستقلة، وهو ما حوّل أنظار القضاة عن التفاعل مع التجربة الجديدة المتعلقة بالتقييم وحصر الاهتمام بمستقبل استقلالية القضاء،

ثانيا, العنصر الزمني اذ أنّه من المفروض ان تبدأ الهيئة في انجاز الحركة القضائية خلال شهر جوان. والخشية ان ترد عليها مجموعة كبيرة من الاعتراضات فلا تجد الوقت الكافي لدراستها على الوجه الأكمل لأن هذا العمل يستوجب تدقيقا في ترجيح رأي على رأي بالرجوع الى احصائيات عمل القاضي وعند الاقتضاء الاطلاع على نماذج من احكامه وقراراته وكيفية تحريرها (دون المساس طبعا برأي المحكمة اذ ان ذلك يعتبر مسّا من استقلالية الدائرة في حكمها) والوقوف على سرعة الإنجاز او التأخير فيه. وكل ذلك يتطلّب تفرّغا للجنة التقييم يمكن ان يدوم اكثر من الشهر او حتى الشهرين على الأقل و توفير جميع الوسائل الكفيلة بإتمامه على احسن وجه وهو ما تفتقده الهيئة في هذه المرحلة

ثالثا، لم تحدّد الهيئة خريطة للعمل لتحديد التقييم النهائي الذي ستعتمده في صورة حصول الاعتراض فكيف سيتم فصل الاختلاف في الرأي وبأي آلية.
رابعا وليس أخيرا، سيتم هذه السنة تقييم القضاة الذين سيتقدمون بمطالب نقلة او ترقية او اسناد خطة قضائية فقط وذلك للعامل الزمني الضيّق ولمحدودية الإمكانيات رغم ان الأصل هو ان يتم تقييم جميع القضاة وبصفة دورية وأن تكون نتيجة التقييم النهائي السلبي مراجعة الخطط الوظيفية لضمان حسن سير القضاء وحقوق المتقاضين

أما الصعوبات المتعلّقة بمن هم مكلّفون بالتقييم، فقد تعوّد رؤساء المحاكم على اسناد أعداد صناعية وملاحظات سرية تبقى مجهولة من القاضي. ولا نفشي سرا اذا قلنا بان هذه الطريقة السرية قد ادّت في كثير من الحالات الى الاضرار المتعمّد من بعض الرؤساء لبعض القضاة الذين ينقصهم الانسجام الاعمى لرؤسائهم.

لذا, فان إقرار وجوبية اطلاع القاضي بما تضمنه تقييم رؤسائه لاقى تحفظا من عدد كبير من المسؤولين الأول بالمحاكم لان ذلك سيجعلهم في موقف محرج مع القاضي الذي سيتم تقييمه سلبيا وقد يخلق عداوة بينهما فضلا عن ان هذا القاضي سيصبح غير مرغوب فيه للعمل في أي دائرة لان ضعف مردوده العملي او تعامله مع محيطه سيكون له تأثير على سير عمل الدائرة.

في النهاية هي صعوبات عديدة قدّرتها الهيئة وتوقّعت حدوثها ومع ذلك اصرّت على ان تضع أول لبنة في نظام تقييم يقوم على الشفافية والوضوح والمواجهة. تعثّر هذه السنة – وهذا طبيعي بالنسبة لأي بداية في حجم هذا العمل–فأكيد انه سيكون ناجعا ويتجاوز النقائص مرحليا في السنوات القادمة إذا قدّر للمجلس الأعلى للقضاء ان يرى النور في ظروف وأحكام أكثر استقلالية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني