السيطرة على المساجد في تونس تدخل أروقة المحاكم وانتصار للدولة في المعركة القضائية


2015-04-03    |   

السيطرة على المساجد في تونس تدخل أروقة المحاكم وانتصار للدولة في المعركة القضائية

خاضت الدولة التونسية معركة طويلة طيلة السنتين الأخيرتين لإسترجاع السيطرة على المساجد التي ظل أغلبها لسنوات تحت سطوة مجموعات استولىت على حوالي 400منبر من منابر المساجد بعد أن طردوا خطباءها بعلّة أنهم من بقايا النظام السابق. وقد وضعت الحكومة السابقة أي حكومة المهدي جمعة خطّة لتحييد المساجد وإستعادة السيطرة عليها. وهو ما واصلته حكومة الحبيب الصيد منذ تولّيها زمام السلطة حيث بادرت بنقل النزاع على المساجد إلى أروقة المحاكم لتأخذ بذلك معركة السيطرة على المساجد في تونس منحى قضائيّا.

وعلى هذا الأساس، أصدرت الدائرة الإبتدائية الخامسة بالمحكمة الإدارية بتاريخ 24 مارس 2015 إذنا إستعجاليا تحت عدد 712832 يقضي بإلزام السيد الحسين العبيدي شيخ الجامع الأعظم بتونس ومن معه بإخلاء جامع الزيتونة تنفيذًا للقرار الصّادر عن وزير الشّؤون الدينيّة بتاريخ 23جانفي 2015والقاضي بتكليف السيّد لطفي العمدوني بخطّة إمام خطيب بجامع الزيتونة ، كالإذن بالإستعانة بالقوّة العامّة إن اقتضى الأمر.

وقد قام بالدعوى الإستعجالية وزير وزير الشؤون الدينيّة وأسّس دعواه بالخصوص على أنّ العبيدي يتعمّد مباشرة خطّة إمام خطيب بجامع الزيتونة دون تكليف رسمي من لدن وزارة الشؤون الدينية، كما تعمّد الاستيلاء على المنبر ومنع من قامت السلطة القائمة بتكليفه رسميا من مباشرة مهامه. فضلا عن أنّ المدّعى عليه بتولّيه عنوة للإمامة والخطابة يحاول المساس بالوضعيّة القانونيّة وتغييرها بمنع الشخص المنصّب قانونا من ممارسة صلاحيّاته كالاستيلاء على المرفق العمومي دون سند قانوني ودون أن تكون له أيّة رابطة قانونيّة مع سلطة التعيين قانونا، الأمر الذي يكسي العمليّة صبغة الغصب للمرفق العمومي من شخص لا صفة له ويتوجّب تبعا لذلك توفير حماية وقتيّة وعاجلة للمرفق العمومي.

وأسّست المحكمة حكمها على الفصل الثّامن من القانون عدد 34المؤرخ في 3ماي 1988المتعلّق بالمساجد الذي ينصّ على أنّه "تقوم بتسيير شؤون المساجد هيئة تابعة للوزارة المكلّفة بالشّؤون الدينيّة يقع ضبط مهامّها بأمر"، والفصل الخامس من نفس القانون الذي ينصّ على أنّه "لا يجوز مباشرة أيّ نشاط في المساجد من غير الهيئة المكلّفة بتسييرها سواء كان بالخطبة أو بالاجتماع أو بالكتابة إلاّ بعد ترخيص من الوزير المكلّف بالشّؤون الدينيّة…". وقد إنتهت المحكمة إلى قبول المطلب و إلزام العبيدي شيخ الجامع الأعظم بتونس ومن معه بإخلاء جامع الزيتونة، والإذن بالإستعانة بالقوّة العامّة إن اقتضى الأمر.

ومن خلال هذا القرار، تسجل الدولة التونسيّة انتصارا في معركتها لإستعادة السيطرة على المساجد التي تعتبر بعضها حاضنة للإرهاب ومراكز لإستقطاب الشباب التونسي وتصديره للجهاد.

ويثير القرار تساؤلا لجهة مدى جدواه طالما أنّ القرارات الإداريّة نافذة بطبيعتها ولا تحتاج الى قرارات قضائيّة لتنفيذها. الا أن ّالفقه الفرنسي (رينيه شابي R.Chapus)أقرّ إستثناءً وحيدا لحالة التدخل القضائي بأذون إستعجاليّة لتنفيذ قرارات إداريّة، وهو تعلّق القرار المطلوب تنفيذه بإخلاء ملك الدولة وفي حال لقي هذا القرار صدّا ومقاومة. ففي هذه الحالة، يكون الإذن القضائي ضروريّا لتأمين سير المرفق وحماية الملك العمومي للدولة. وقد بدت المحكمة حريصة على اظهار الأهمية الاجتماعية لاضفاء مشروعية قضائية على القرار الاداري تجنبا للاخلال بالنظام العام. وهذا ما نقرؤه بوضوح في احدى حيثيات القرار الاستعجالي حيث جاء أن قدرة الادارة على التنفيذ جبرا ومباشرة لا تحول دون تمكينها "من اللّجوء للقضاء الإداري المتخصّص الذي يكفل لها وللمتعاملين معها توفير الضّمانات المطلوبة لتجنّب حصول ضرر فادح كلّما واجهتها وضعيّة تتّسم بطابع التأكّد ومن شأنها تهديد النّظام العام، ممّا يحتّم عليه التدخّل الفوري بمنح الإدارة السّند التنفيذي المستوجب لتنفيذ قراراتها جبرا باللّجوء إلى الإستعانة بالقوّة العامّة للحيلولة دون تفاقم ذلك الضّرر والنّيل من استقرار الوضعيّات القانونيّة ومن استمراريّة السّير العادي للمرفق العام".

 بالمقابل، ليس القرار الإستعجالي بمنأى عن النقد في جانب مساسه بالأصل حيث أنّه أفرغ النزاع الأصلي وهو ما تأكّد بمسارعة الحكومة بتنفيذ قرار الإخلاء بالقوّة صبيحة السبت 28مارس 2015.

كما أنّ أصل النزاع يطرح إشكاليّات جديّة. فقد سبق للقضاء العدلي أن رفض دعاوى إستعجاليّة في نفس الموضوع بناء على أنّ المطلوب يستند في إمامته لجامع الزيتونة المعمور على وثيقة استئناف التعليم الزيتوني الأصلي الممضاة بتاريخ 12ماي 2012بين المطلوب من جهة بوصفه ممثّل مشيخة جامع الزيتونة وأعضاء من الحكومة هم كلّ من وزير التربية ووزير الشؤون الدينية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي وبحضور ممثّل رئاسة الحكومة. وقد أسندت تلك الوثيقة لشيخ الجامع صفة تمثيل الجامع. وبالتالي، فإنّ إنهاء تكليفه بتلك الصفة قد يتطلّب قرارا مشتركا من نفس الوزراء مجتمعين لإنهاء العمل بوثيقة إستئناف التعليم الزيتوني أو تنقيحها لتكليف شخص آخر محلّه.

وفي كلّ الأحوال يعدّ القرار الإستعجالي إنتصارا هامّا للحكومة في معركة إستعادة السيطرة على المساجد التي أخذت منحى قضائيّا ومؤشّرا على إستعادة الدولة سطوتها الطبيعيّة وفرضها نفوذها على مراكز حيوية كالمساجد ظلّ بعضها لزمن خارج نفوذ الدولة ومركزا للتعبئة والإستقطاب للشباب.

للاطلاع على القرار اضغط/ي على الرابط ادناه

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني