مخالفات ومغالطات دستورية وقانونية خلال مناقشة الموازنة العامة في الاردن


2015-03-03    |   

مخالفات ومغالطات دستورية وقانونية خلال مناقشة الموازنة العامة في الاردن

ناقش مجلس النواب الاردني وعلى مدار اربعة ايام مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2015. ومن ابرز القضايا التي ترددت كثيرا في كلمات النواب انخراط الاردن في الحرب على الارهاب، والشهيد الطيار النقيب معاذ الكساسبة، ودعم القوات المسلحة، والعجز المرتفع في الموازنة، ورفع اسعار الكهرباء، وتحديات الطاقة، واتساع مساحات الفقر والبطالة، وغيرها من القضايا الأخرى التي درج النواب على اثارتها في مثل هذه المناسبة التي يأتي في مقدمتها تقديم مئات المشروعات الخدماتية لمناطقهم الانتخابية. ولوحظ في مناقشات الاربعة أيام لجوء عدد من النواب للمطالبة باقالة الحكومة ورحيلها، إلا أن عدد النواب الذين اعلنوا مبكرا رفضهم للموازنة بقي محدودا جدا بخلاف مناقشات الموازنة في السنوات السابقة، وقد حازت الموازنة على قبول اغلبية 134 نائبا حضروا جلسة التصويت مساء الاربعاء 25/2/2015. إلا ان اللافت للنظر أن مناقشة مشروع قانون الموازنة من قبل اعضاء مجلس النواب الغرفة الاولى للسلطة التشريعية قد شابها مخالفات ومغالطات دستورية وقانونية ، تنم عن عدم فهم اعضاء مجلس النواب لحقيقة الموازنة العامة والقيود الدستورية والقانونية الواردة على مناقشتها.

مطالبة النواب بزيادة النفقات العامة خلافا للدستور
وفقا للمادة (112/4) من الدستور الاردني، لمجلس الامة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة او في القوانين المؤقتة المتعلقة بها ان ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقاً للمصلحة العامة، وليس له ان يزيد في تلك النفقات لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراع المقدم على حدة، على انه يجوز بعد انتهاء المناقشة ان يقترح وضع قوانين لاحداث نفقات جديدة. ورغم صراحة النص الدستوري الذي يفرض قيدا على السلطة التشريعية عند مناقشتها للموازنة العامة، والمتمثل بعدم جواز زيادة النفقات العامة بأي طريق من الطرق، الا ان معظم خطابات اعضاء مجلس النواب المتحدثين في معرض مناقشة الموازنة العامة والبالغ عددهم ( 110 ) نائبا انصبت على المطالبة بمشروعات خدمية لمناطقهم الانتخابية كبناء المستشفيات والجامعات والمدارس والبنى التحتية بشكل عام، اي زيادة مباشرة في الانفاق فيما لو تمت الاستجابة لها، ناهيك عن المطالبة بتحسين الرواتب للموظفين والعاملين بالاجهزة العسكرية والامنية . وقد درج السادة النواب على هذه العادة عند مناقشة الموازنة العامة لغايات انتخابية ودعائية لامتصاص السخط الشعبي من سوء ادائهم ، فالنص الدستوري واضح في منح النواب القدرة على انقاص النفقات العامة بحسب ما تستدعيه المصلحة العامة، في حين منعهم من زيادة النفقات العامة تحت اي ظرف من الظروف. والمفارقة الغريبة أن المطالبة بزيادة النفقات العامة بهذا الشكل تترافق مع نقد حاد للحكومة بسبب العجز الكبير في الموازنة العامة والذي بلغ بعد أن خفضته اللجنة المالية بمجلس النواب  468 مليونا و386 الف دينار.

شبهة بعدم دستورية اقرار قانون ضريبة الدخل بعد ايداع مشروع قانون الموازنة لمجلس النواب
في الوقت الذي تم فيه ايداع مشروع قانون الموازنة العامة لدى مجلس النواب للبدء في مناقشته وفقا للموعد الدستوري في الشهر الاخير من العام السابق للسنة المالية اي في شهر كانون الاول 2014، كان مجلس النواب لا يزال يناقش مشروع قانون ضريبة الدخل الذي اقر في الاسبوع الاخير من شهر كانون الثاني ونشر بالجريدة الرسمية ، الامر الذي يشكل مخالفة دستورية للمادة ( 112 / 5 ) من الدستور الاردني والتي تقضي بأنه " لا يقبل اثناء المناقشة في الموازنة العامة اي اقتراح يقدم لالغاء ضريبة موجودة او فرض ضريبة جديدة او تعديل الضرائب المقررة بزيادة او نقصان يتناول ما اقرته القوانين المالية النافذة المفعول ولا يقبل اي اقتراح بتعديل النفقات او الواردات المربوطة بعقود".  واللافت للنظر أن الحكومة قد وضعت تقديرات الموازنة العامة لعام 2015 على اساس اقرار قانون ضريبة الدخل ، وهو ما كان يشكل فرضا للامر الواقع على السلطة التشريعية إذ أن رفض قانون ضريبة الدخل كان سيؤدي لاعادة النظر بمشروع قانون الموازنة العامة حكما الذي بنيت تقديراته على اساس العمل بقانون ضريبة الدخل الجديد منذ بداية عام 2015.

مخالفة الموازنة لقانون الدين العام وادارته
في مشروع قانون موازنة 2015 تظهر بنود الموازنة ان الحكومة ستسجل اعلى مستوى من الاقتراض في هذه السنة اذ تقدر الحكومة حجم الاقتراض من السوقين الداخلي والخارجي ب (6,168) مليار دينار وهو ما يعادل تقريبا 80%  من الحجم الكلي لموازنة 2015، وهو ما يبشر بموسم صعب على القطاع الخاص الذي ستنافسه الحكومة وتزاحمه على التسهيلات المصرفية وكذلك الاعتماد على المنح الخارجية في تمويل نفقاتها المتزايدة. والزيادة غير المسبوقة في الدين العام ادت الى مخالفة صريحة لقانون الدين العام حيث وصل الى ما يقارب (90%) من الناتج المحلي الاجمالي[1]، وهذا ما يستوجب على الحكومة القيام بالمزيد من الاجراءات التحوطية التي تخفف من آثار المديونية، لا بل وضع خطط طوارئ لإدارة هذا الدين وذلك من اجل عدم الوقوع في المشكلة مرتين وتعاد سيناريوهات عام 1989من خفض لسعر صرف الدينار وما تبعه من اثار اقتصادية كارثية على المواطن .

تهديد رئاسة المجلس بطرد نواب المعارضة من الجلسة
بعد أن قام النائب محمد الرياطي بقراءة مخالفته لتوصية اللجنة المالية بالمجلس التي طالب فيها بالغاء اسعار الكهرباء الواردة في الموازنة العامة، وعمت الفوضى تحت القبة بعد اعتراض النائب الرياطي على عدم التصويت بشكل صحيح على مخالفته.من جهته هاجم رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة النائب الرياطي بعد انتقاداته لعدم التصويت على المخالفات في توصيات اللجنة المالية التي يعد عضوا فيها ، حيث طلب الطراونة من النائب عدم المزاودة على المجلس ومغادرة البرلمان قائلا له "مكانك مش في هذه القاعة".ودعا الطراونة المجلس للتصويت على طرد الرياطي من القاعة وسط احتجاجات من النواب المعارضين لطريقة واسلوب رئيس المجلس[2].ويعد تصويت النواب على بند موازنة شركة الكهرباء بمثابة الموافقة على قرار الحكومة برفع اسعار الكهرباء 7.5%والذي سبق للنواب أن صوتوا على رفضه في جلسة سابقة مطلع العام الحالي . فيما عزا نواب تمرير الموازنة بما تتضمنه من رفع لاسعار الكهرباء رغم رفض مجلس النواب لذلك مرتين من قبل، بسبب التضييق على نواب المعارضة في المجلس من قبل رئاسة المجلس وعدم السماح لهم بابداء ملاحظاتهم ومقترحاتهم ومحاولاتهم لرد الموازنة [3].

هجوم على شخص رئيس الحكومة خلال مناقشة الموازنة 
امتازت مناقشة الموازنة لهذا العام بهجوم كاسح على شخص رئيس الوزراء من قبل معظم النواب المتحدثين خلال المناقشات ، وقد طال هذا الهجوم غير المسبوق شخص رئيس الوزراء واتهامه بالفساد وممارسة الواسطة والمحسوبية لصالح ابنائه والمقربين منه ، خلافا لما يعلنه ويدعيه على الملأ. وقد كانت اقسى الكلمات الموجهة للرئيس من قبل النائب سعد البلوي الذي اتهم رئيس الوزراء باستغلال نفوذه وسلطته لتعيين ابنائه وانسبائه ومقريبن منه في مناصب عامة. واتهم البلوي رئيس الحكومة أنه حابى في التعيينات "النسايب والحبايب من أبناء مسقط رأسه" على حساب أصحاب الكفاءات. واستدل بذلك على تعيين مالك مستشفى خاص وابنه في مجلس مفوضية إقليم البترا والهيئة المستقلة للانتخابات براتب (4700) دينار، مشيرا الى أن نجل رئيس الوزراء يعمل مستشارا قانونيا للمستشفى ذاته براتب مئة الف دينار سنويا [4].وتجدر الاشارة الى  أن الدستور الأردني بيّن حدود عمل وحصانة النائب، والتي قيدها وبينها المشرع الدستوري من خلال المادة (87) من الدستور، والتي أكدت على حرية النائب التامة في التكلم وإبداء الرأي شريطة أن تكون هذه الحرية في حدود النظام الداخلي لمجلس النواب[5]. وقد أشارت المادتان (115) و(117) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 لهذه الحدود وبينتها وأفردتها، حيث قضت تلك المادتان بأن يُمتَنَع على النائب أن يستعمل كلمات وعبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو بالآداب العامة أو أن يأتي العضو أمراً مخلاً بالنظام الداخلي كعدم التقيد بموضوع النقاش الدائر في الجلسات وآدابه. علماً بأن ما ورد على لسان النائب البلوي قد جاء في خضم وأثناء مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة، وفي هذا خروج عن مناقشة الموازنة العامة للدولة موضوع الجلسة خلافاً لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.ولعل هذا ما دفع نجل رئيس الوزراء للقيام رسميا بتسجيل دعوى بحق النائب البلوي لدى محكمة صلح جزاء عمان (قصر العدل) وموضوعها الذم والقدح مرفقاً بها إدعاء بالحق الشخصي بمبلغ مقدر لغايات الرسوم بمائة ألف دينار. [6]

التصويت على الموازنة تصويت على الثقة بالحكومة
من المستقر دستوريا أن تصويت مجلس النواب بالموافقة على مشروع قانون الموازنة المقدم من قبل الحكومة هو بمثابة تجديد للثقة بالحكومة، وذلك بناء على أن الموازنة هي بمثابة برنامج عمل للحكومة للسنة القادمة. والموافقة على هذه الخطة تعتبر موافقة ضمنية للحكومة للقيام بتنفيذها. كما أنه من الناحية الدستورية يعتبر رفض مجلس النواب للموازنة بمثابة رفض لبرنامج عمل الحكومة، وبالتالي يعادل حجب الثقة عن الحكومة ويستوجب استقالتها فورا .إذ أنه في النظام البرلماني المعروف باسم نظام وستمنستر[7]، يتطلب فشل مشروع قانون اعتمادات الموازنة (أحد المشروعات المعنية بإنفاق الأموال) استقالة الحكومة تلقائيًا أو حل البرلمان، وهو ما يُشبه إلى حدٍ كبير التصويت بحجب الثقة، لأن الحكومة التي لا تستطيع إنفاق الأموال ستكون عاجزة. ويُعرف هذا باسم فقد الاعتماد.وهذا سلاح بيد مجلس النواب كان يمكن له ان يستخدمه بدلا من التلويح بحجب الثقة وجمع التواقيع لهذه الغاية المرة تلو الاخرى في الاونة الاخيرة.



[1]– تنص المادة ( 23 ) من قانون الدين العام وادارتهرقم ( 26 ) لسنة 2001 على انه " على الرغم من اي نص مخالف لا يجوز ان يزيد الرصيد القائم للدين العام في اي وقت من الاوقات على ( 60% ) من الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية للسنة الاخيرة التي تتوافر عنها البيانات " .
[2]– الفوضى تحت القبة .. النواب يوافق الحكومة على رفع الكهرباء .. موقع عمون الاخباري تاريخ 25 / 2 / 2015 ، للمزيد أنظر الرابط : http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=222085
[3]– السنيد : رئاسة المجلس تضيَق على المعارضة البرلمانية ، اخبار الاردن جو 24  تاريخ 26 / 2 / 2015 ، الرابط : http://www.jo24.net/article-106700.html
[4]– النائب البلوي يفجرها بوجه النسور .. نجله يعمل مستشارا قانونيا لمستشفى براتب مئة الف دينار سنويا ، الشعب نيور بتاريخ 23 / 2 / 2015 . انظر الرابط : http://www.shaabnews.com/news-50477.htm
[5]– تنص المادة ( 87 ) من الدستور الاردني على انه " لكل عضو من اعضاء مجلسي الاعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وابداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب اليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب اي تصويت او رأي يبديه او خطاب يلقيه في اثناء جلسات المجلس".
[6]– نجل رئيس الوزراء يقاضي النائب سعد البلوي رسميا ، الهاشمية نيوز ، 25 / 2 / 2015 ، انظر الرابط : http://alhashmiahnews.com/jonews/our-news/12915.html
[7]– نسبة الى البرلمان البريطاني في ويستمنستر .
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني