ترهيب حرية الرأي في اطار مكافحة الارهاب في الأردن


2015-02-23    |   

ترهيب حرية الرأي في اطار مكافحة الارهاب في الأردن

كرست قوانين منع الارهاب المتعاقبة في الأردن اختصاص محكمة أمن الدولة بالنظر في جرائم الارهاب وفق ما نص عليه الدستور. وما كان يخشاه منتقدو القانون تحقق فور بدء العمل به، فقد أحيل العديد من المدنيين الى محكمة أمن الدولة بتهم تقع تحت عنوان الارهاب بسبب تعبيرهم عن آرائهم في قضايا عامة. ويأتي على رأس هذه الممارسات اعتقال نائب المراقب العام للاخوان المسلمين زكي بني رشيد على اثر قيامه بنشر مقال على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك انتقد فيها دولة الإمارات العربية المتحدة لوضعها جماعة الإخوان المسلمين ضمن لائحة الجماعات الإرهابية. تبعا لذلك، واجه بني ارشيد تهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية وتعريض مصالح الاردنيين للخطر. واذ اثار هذا الاجراء ردود فعل متباينة في مختلف اوساط الشعب الاردني، نددت جماعة الإخوان المسلمين به كاجراء "بوليسي"، مطالبة بالإفراج الفوري عنه وعن جميع المعتقلين السياسيين [1].

وفي 15-2-2015، أصدرت محكمة أمن الدولة بحق بني ارشيد حكما بالسجن لسنة ونصف مع الأشغال الشاقة على اساس تهم الادعاء. ويلحظ أن هذا الحكم يخضع لرقابة محكمة التمييز وقرارها قطعي بهذا الصدد. 

وكانت محكمة أمن الدولة أصدرت في 12-2-2015 حكماً يقضي بسجن الإعلامي حسام العبدللات بالسجن سنة على أساس تهمة تقويض نظام الحكم. وكذلك قامت الاجهزة الامنية مطلع عام 2015 باعتقال مؤسس موقع سرايا الاخباري هاشم الخالدي ورئيس تحرير الموقع سيف عبيدات واحالتهما الى محكمة امن الدولة على خلفية قيام الاول بنشر مقال على الموقع يتعلق بقضية الطيار معاذ الكساسبة والذي كان آنذاك لا يزال اسيرا لدى تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". وقد نشر الموقع اخبارا عن قضية الطيار تضمنت صورة عن عدّاد نشرته داعش للزمن المتبقي لقتله. وعلى اثر ذلك، تم توقيف هذين الاعلاميين 14 يوم في سجن ماركا، وادعت عليهما دائرة نائب عام محكمة أمن الدوله على اساس قيامهما ب"استخدام وسائل إعلاميه للترويج لأفكار جماعة إرهابية، والقيام بأعمال من شأنها أن تعرض الأردنيين لخطر أعمال عدائين وانتقامية". ونوه المصدر إلى أن نيابة أمن الدولة سوف تقوم بملاحقة كافة المواقع والوسائل الإعلامية المرئية والإلكترونية التي تعمل على الترويج لهذه الجماعات الارهابية أو التي تقدم على إثارة الفتنة أو التي تقدم على أعمال من شأنها تعريض سلامة الأردنيين للخطر [2].

وبذلك، يتبدى أن قانون مكافحة الارهاب بحلته الجديد قد اعاد الاختصاص لمحكمة امن الدولة بالجرائم المرتكبة من قبل الصحفيين والاعلاميين، على الرغم من ان قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998 قد أعاد الاختصاص بقضايا هؤلاء للقضاء النظامي وبموجب تعديل تشريعي عام 2010، وبعد نضال طويل.

وعموما فإن التعريف الجديد لـ “الأعمال الإرهابية” في قانون منع الإرهاب المعدل يعرض نسبة أكبر من الأردنيين والأردنييات للمحاكمة بموجبه، نظرًا لبساطة الأعمال التي يعدّها القانون “أعمالًا إرهابية” مثل “أي عمل من شأنه إلحاق الضرر بالبيئة أو الإخلال بالنظام العام”. ويوسع القانون كذلك طيف الأماكن التي يمكن أن ترتكب فيها الأعمال الارهابية لتشمل الفضاء الرقمي. فلم يعد الارتباط المباشر بـ”الجماعات الإرهابية” أو التورط في الأعمال الإرهابية مقياس الإدانة في هذا القانون، انما أصبحت مجرد محاولة الإيحاء بدعم هذه الجماعات بالتلفظ أو الإشارات أو الرموز كافية لتبرير الملاحقة والحكم. وهذا لا ينطبق على دعم المنظمات الإرهابية فحسب، بل أيضًا على الجمعيات الخيرية والمنظمات التي “تسوّق أو تموّل” ما يزعم أنها جماعة “إرهابية”، وكلها جرائم تحدد عناصرها بناء على مفاهيم مطاطة.
فعلى سبيل المثال، هل يعني دعم الأردن للنظام الحاكم في مصر تبنيه لقرار القضاء المصري باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟ وإذا طبقنا هذا التبني بأثر رجعي، فإن كل الاشخاص على الفيسبوك ممن غيّروا صورهم الشخصية إلى صورة “أربعة أصابع على خلفية صفراء” تضامنًا مع ضحايا الفض العنيف لاعتصام ميدان رابعة العدوية في مصر قد يتم اعتبارهم إرهابيين. وهذا ليس مثالًا نظريًا، فقد أدين خمسة أردنيين بـ”تعكير صفو العلاقات مع دول مجاورة” بسبب تعليق ملصقات رابعة على سيارة، أو توزيع هذه الملصقات،”[3]، أو العثور على رسالة نصية في الهاتف الخلوي تقول “السيسي أكثر إجرامًا من بشار"[4].

وقد انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الأردن الحكم بالسجن الصادر بحق بني ارشيد، مؤكدة أن "الأردن غير ملتزم بإنهاء محاكمات حرية التعبير"[5].

والخلاصة أن ما تحقق في الاردن من اصلاحات بفعل تداعيات الربيع العربي – قبل انحرافه عن مساره – وعلى رأسها التخفيف من التضييق على حرية التعبير عن الرأي، تم التراجع عنه تحت ذريعة منع الارهاب. فما اُعطي باليمنى استردّ باليسرى، وعادت محكمة امن الدولة اكثر حضورا من ذي قبل، معززة بسيف مصلت على حرية التعبير، قوامه قانون منع الارهاب بحلته الجديدة لعام 2014 .

 


[1]– انظر مقال د.حمدي القبيلات ، بعنوان " النقاش النيابي حول اعتقال قيادي اخواني يتحول الى حفلة قلة ادب في الاردن"، منشور على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية.   
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني