محاولة انتحار طفلة تعرّي الصمت المجتمعي بشأن عمل الاطفال في المنازل، ولا تنهيه


2015-02-16    |   

محاولة انتحار طفلة تعرّي الصمت المجتمعي بشأن عمل الاطفال في المنازل، ولا تنهيه

أعلنت وزارة الداخلية التونسية في بلاغ[1] صدر عنها يوم 06/02/2015 أن المصالح الامنية المتخصصة في قضايا الطفولة[2] وبعد أن أشعرها يوم 20 جانفي 2015 مندوب حماية الطفولة[3] بحادثة سقوط طفلة من الطابق الأول لمنزل كائن في أحد أحياء العاصمة التونسية تولت اجراء التعهد بالبحث العدلي في الموضوع. وقد كشفت الأبحاث أن أحد أقارب الطفلة المعنية والتي هي من مواليد سنة 2001 ويتيمة الاب واصيلة منطقة فرنانة تولى نقلها من مسقط رأسها للعمل كمعينة منزلية وتوسّط في ذلك بمقابل مادي قدره 150 دينارا تسلّمه من المشغّلة. وقد القت الطفلة  نفسها من الطابق الأول للمنزل الذي انتدبت للعمل به بعد ان احتجزتها مؤجرتها ومنعتها من المغادرة. وقد سلط بلاغ وزارة الداخلية الضوء على ظاهرة تشغيل الفتيات القاصرات اللواتي ينحدرن من الجهات الداخلية للبلاد التونسية كمعينات منزلية، منبها الى أن استغلال الاطفال في العمل المنزلي يتم عبر شبكات "سماسرة"، وأن ظروف عمل الاطفال في المنازل يكون في حالات عديدة في ظروف تشبه العبودية من جهة ما يمارس من احتجاز واستغلال لطاقة العمل.

تجاوزت وزارة الداخلية التصور الامني لدورها واختارت أن تبادر لقيادة حملة تلفت انتباه الرأي العام لخطورة ظاهرة تشغيل الاطفال بالعمل المنزلي في ظروف لا انسانية تنتهك حقوق الطفولة وقيم الإنسانية. فأكد بلاغها على الموطن الأصلي للطفلة الضحية في اشارة صريحة لتفشي ظاهرة ارسال أسر تنحدر من المناطق الريفية الكائنة بأرياف ولايات الشمال والوسط الغربي التونسية لبناتها القاصرات للعمل بالمدن الكبرى، كعاملات مقيمات، بما يبين الرابط بين الفقر وتفشّي الأمية من جهة والقابلية للوقوع ضحية لشبكات الاتجار بالاطفال من جهة أخرى[4].
قطع بلاغ وزارة الداخلية في موضوعه وأسلوب صياغته مع الصمت الرسمي بشأن ظاهرة استغلال الأطفال في العمالة المنزلية، وأعلن عن تطور فكرة التصدي بصرامة لخرق القانون فيما يتعلّق بتشغيل الاطفال بالعمل المنزلي. والأهم أنه كشف أن النيابة العمومية اذنت "بايقاف المشغلة والوسيط من اجل تشغيل طفلة دون السن القانونية كعاملة منزلية والتوسط في ذلك واحتجازها دون وجه قانوني وتعريضها للخطر. وكان بلاغ وزارة الداخلية بالتالي من الوثائق الرسمية الهامة التي تطرح عمالة الاطفال بالمنازل في بلد تغيب فيه الاحصائيات الرسمية في مسائل مشابهة.
الا أن هذا البلاغ على أهميته لم يكن كافيا للتحسيس بأهمية ظاهرة تشغيل الأطفال خلافا لتوقعات من بادر لاصداره. فقد اكتفى الاعلام التونسي بتلاوة نص البلاغ يوم صدوره  في نشرات الاخبار دون فتح حلقات نقاش حول ما يثيره من قضايا هامة ولم يتفاعل المجتمع المدني مع البلاغ. وقد أدى تجاهل الاعلام والمجتمع المدني للحادثة الى تفويت فرصة هامة لصناعة رأي عام يدين تشغيل الاطفال في العمل المنزلي ويشجع على الكشف على حالات خرق القانون في الموضوع[5].

ورد الاعلان عن حادثة احتجاز الطفلة قبل فترة قصيرة من اصدار الحكومة التونسية استراتيجيتها  الوطنية لمكافحة تشغيل الاطفال[6]. وكان يمكن أن يتحول النقاش حول استغلال الطفلة من قبل مؤجرتها الى أول تطبيق عملي لهذه الاستراتيجية التي طال انتظارها. فالتجارب المقارنة وخصوصا منها التجربة المغربية تكشف أن نشر الوعي وصناعة رأي عام يدين تشغيل الاطفال في المنازل يعد وسيلة المكافحة الانجع لعبودية العصر الحديث.



[1]نص البلاغ "تعلم وزارة الدّاخلية أنّ مصلحة وقاية الأحداث بالإدارة الفرعية للوقاية الإجتماعية بإدارة الشرطة العدلية تلقت يوم 20 جانفي 2015 إشعارا عن السيد مندوب حماية الطفولة مفاده الإعلام عن سقوط طفلة من الطابق الأول لمنزل يطل على مدرسة إبتدائية بجهة الوردية. بتنقل فريق من الإدارة المذكورة على عين المكان تبيّن أنّ طفلة من مواليد سنة 2001 منقطعة عن الدّراسة قاطنة عادة فرنانة ولاية جندوبة ويتيمة الأب تولت إلقاء نفسها من الطابق الأول لمنزل مشغّلتها نتيجة احتجازها ومنعها من مغادرة المنزل، تمّ إسعاف الطفلة المذكورة التي تعرّضت لإصابات مختلفة.تبيّن من خلال الأبحاث أن أحد أقارب الطفلة تولى نقلها من جهة فرنانة للعمل كمعينة منزلية وتوسّط في ذلك بمقابل مادي قدره 150 دينارا تسلّمه من المشغّلة. تمّ الإحتفاظ بالمشغّلة والوسيط من أجل تشغيل طفلة دون السن القانونية كعاملة منازل والتوسّط في ذلك واحتجازها دون وجه قانوني وتعريضها للخطر، وذلك بعد مراجعة النيابة العمومية. وتُشير الوزارة أنّ تشغيل الأطفال في ظروف مخالفة للقانون يشكل استغلالا اقتصاديا من شأنه أن يمس من سلامتهم الجسدية والنفسية والمعنوية على معنى أحكام مجلة حماية الطفل في فصلها 20، كما أنّ تشغيل الأطفال دون السن القانونية يُعاقب عليه طبقا لأحكام القانون عدد 32 لسنة 2005 المؤرّخ في 04 أفريل 2005 المتعلق بتنقيح القانون عدد 25 لسنة 1965 المؤرّخ في 01 جويلية 1965 المتعلق بحالة عملة المنازل إذ ينُص الفصل الثاني الجديد منه على ما يلي "يُحجّر تشغيل الأطفال الذين سنّهم دون 16 سنة كعملة منازل. وتُؤكّد الوزارة أنّ حماية الأطفال من شتى أشكال الاستغلال مسؤولية مشتركة بين جميع المواطنين المحمولين على واجب الإشعار عن كل الوضعيات التي تمس من سلامتهم الجسدية والنفسية. كما أنّ انتشار ظاهرة تشغيل الفتيات دون السن القانوني كعملة منازل بمجتمعنا يعزى إلى عدم وعي المواطن بأنّها جريمة تعرض مرتكبها إلى التتبعات الجزائية وبأنّ هياكل إجتماعية وأمنية وتربوية وقضائية مكلّفة بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي".
[2]مصلحة وقاية الأحداث بالإدارة الفرعية للوقاية الإجتماعية بإدارة الشرطة العدلية.
[3]مؤسسة مندوب حماية الطفولة احدثت في تونس منذ سنة  1995 ويمكن تعريفه بانه  هيكل  يتمثل دوره في  التدخل الوقائي والمختص في مجال مراقبة مختلف وضعيات الطفولة المهددة ورصد أوضاعها وتقدير الصعوبات التي تواجهها والعمل على وضع حد لكل ما يمكن أن يهدد سلامة الطفل البدنية والمعنوية.
[4]تعهدت كتابة الدولة للمرأة بتونس سنة 2013 بانجاز  دراسة ميدانية حول واقع استغلال الأطفال في العمل بالمنازل في منطقة جندوبة وبنزرت أي بالجهات الريفية التي ينشط بها سماسرة الاتجار بعاملات المنازل المقيمات من القاصرات الا ان الدراسة لم يعلن عن انجازها لاحقا بما يمنع من التأكد من  الالتزام بانجازها من عدمه
[5]يجحر القانون  عدد 32 لسنة 2005 المؤرّخ في 04 أفريل 2005 المتعلق بتنقيح القانون عدد 25 لسنة 1965 المؤرّخ في 01 جويلية 1965 المتعلق بحالة عملة المنازل تشغيل الأطفال الذين سنّهم دون 16 سنة كعملة المنازل.
[6]سبق للحكومة التونسية ان اعلنت سنة 2013 انه تم تكوين لجنة قيادة وطنية يعهد لها باعداد استراتيجية وطنية لمكافحة تشغيل الاطفال و حددت نهاية سنة 2014 كاجل لاعلان التقرير . غير انه لاحقا اعلن عن تمديد الاجل لنهاية الثلاثية الاولى من سنة 2015 وتتكون اللجنة من ممثلين وزارة الشؤون الاجتماعية، -وزارة التكوين والتشغيل، وزارة التربية، وزارة العدل ،وزارة الداخلية ،الاتحاد الوطني للشغل، والاتحاد الوطني للصناعة والتجارة
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني