مجرد رأي حول الشطر الثاني من نتائج المجلس الاعلى للقضاء في المغرب


2015-02-12    |   

مجرد رأي حول الشطر الثاني من نتائج المجلس الاعلى للقضاء في المغرب

في وقت متأخر من ليلة ممطرة، وحوالي الساعة الحادية عشر ونصف من مساء يوم 30 من يناير 2015، أفرجت وزارة العدل والحريات عن نتائج الدورة الأخيرة من دورات المجلس الأعلى للقضاء والتي خصصت لتدارس عدد من القضايا من بينها الملفات التأديبية للقضاة، ومقترحات تعيينات في مناصب المسؤولية القضائية، وقضايا مختلفة. وقد تم نشر هذه النتائج بالموقع الرسمي لوزارة العدل بعد أكثر من يومين على تسريبها عبر المواقع الإلكترونية وبعض الصحف "بشكل جزئي"، حيث كان لزاما على من يرغب في الحصول على الخبر اليقين أن يلجأ لتحريك الهواتف وربط الاتصال بأولي الأمر خاصة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أو بعض القضاة المقربين منهم للحصول على النزر اليسير من المعلومات علها تشفي غليل الحق الشرعي في الوصول إلى المعلومة التي تمس القاضي وتمس استقراره الوظيفي والعائلي.

وما هي إلا ساعات قليلة حتى تأكدت عدة أخبار كان يظن البعض أنها مجرد شائعات. فما بين انتقال قضاة جدد لم يمر على تعيينهم سوى بضع أشهر وتجاهل طلبات أخرى قدمها زملاؤهم المنتمون لنفس الفوج أو حتى الذين أمضوا عدة سنوات وهم يتقدمون بطلبات تلو طلبات للانتقال، وما بين تجريد بعض المسؤولين القضائيين من مهامهم وتنقيلهم لمحاكم أخرى، وبين تعيينات جديدة في مراكز صنع القرار، دون أن ننسى بعض علامات الاستفهام التي أثيرت حول الملفات التأديبية لعدد من القضاة المحالين على المجلس تنوعت البنود العريضة لنتائج هذه الدورة الممتدة من دورات المجلس الأعلى للقضاء.
 
أولا-ملاحظات أولية :
تقتضي الاشارة بداية الى أن هذه الدورة الجديدة للمجلس كرست استمرار ظاهرة التحول الصحي في طريقة عمله حيث تم الاعلان بشكل مسبق عن جدول اعمالها ونشر نتائجها بموقع وزارة العدل على نحو يتجاوب مع مطالب القضاة. لكن كرست هذه الدورة في المقابل استمرار نفس الانتقادات السابقة بخصوص تبعيته لوزارة العدل والحريات، وهو ما تجسد في تعمد نشر هذه النتائج بالموقع الرسمي للوزارة رغم المطالب الملحة بضرورة تخصيص موقع رسمي للمجلس. وإذا كان الاعلان الرسمي عن هذه النتائج قد تأخر إلى حين تداولها عبر مختلف وسائل التواصل التقليدية وغير التقليدية، فإن شحّ المعلومة الرسمية وما يمكن أن ينتج عنها من شائعات أو أخبار مغلوطة من شأنها أن تؤثر بشكل أو بآخر على السير العادي للمرفق القضائي يدفع لضرورة التفكير الجدي في انشاء مؤسسة الناطق الرسمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتكريس التواصل المؤسساتي لهذه المؤسسة الدستورية المرتقب احداثها في القريب العاجل.

من جهة ثانية كان لافتا تسمية هذه الدورة بالشطر الثاني من "دورة ماي 2014"، رغم وجود دورة كان يفترض أن تعقد في نونبر من نفس السنة طبقا للقانون الداخلي للمجلس الذي ينص على عقد "دورتين كل سنة: الأولى خلال شهر ماي، والثانية خلال شهر نونبر". فإذا كانت هذه النتائج المعلنة بتاريخ 30 يناير 2015 تتعلق بدورة ماي من العام الفارط فإن السؤال سيطرح حول مآل دورة نونبر من سنة 2014؟
 
ثانيا- نتائج الشطر الثاني من دورة المجلس الاعلى للقضاء: أي جديد؟
لابد من التأكيد بداية أن الأمر يتعلق بنتائج جزئية، إذ أن جدول أعمال هذه الدورة اقتصر على البت في بعض المواضيع من بينها بعض مناصب المسؤولية القضائية، والملفات التأديبية التي أصبحت جاهزة، فضلا عن بعض طلبات الانتقال الآنية.

1-          مناصب المسؤولية القضائية وسؤال المعايير:
على مستوى مناصب المسؤولية القضائية، يلاحظ أن المجلس تدارس أربع لوائح، تتعلق الأولى بالمسؤولين القضائيين الذين قضوا أكثر من 10 سنوات في مناصبهم الحالية، واقتضت المصلحة القضائية تعيينهم في جهات أخرى، وعددهم 6 قضاة؛ وتتعلق الثانية بالمسؤولين القضائيين الذين وردت بشأنهم تقارير من المفتشية العامة تضمنت مؤاخذات حول أدائهم أو ظهر أنهم لم يتمكنوا من الاضطلاع بالمهام المسندة إليهم أو اقتضت المصلحة القضائية نقلهم نظرا لطول المدة التي قضوها بمناصبهم، وعددهم 6 قضاة؛ بينما تتعلق اللائحة الثالثة بالمسؤولين القضائيين الراغبين في نقلهم إلى مناصب أخرى أو الراغبين في اعفائهم من مهام المسؤولية الحالية لظروفهم الاجتماعية أو الصحية، أو المادية، وعددهم 9 قضاة، إلى جانب تدارس وضعية منصب رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط الذي أصبح شاغرا بعد تعيين المسؤول القضائي لهذه المحكمة مديرا للتشريع بوزارة العدل.

وقد تقرر تبعا لمداولات المجلس تغيير منصب واحد في النيابة العامةعلى صعيد محاكم الاستئناف، وتغيير 4 مناصب على صعيد المحاكم الابتدائية (منصبين في الرئاسة، ومنصبين في النيابة العامة)؛ كما تم تغيير منصبين، على صعيد المحاكم المتخصصة (المحاكم الادارية).
والملاحظ بهذا الخصوص أن المجلس حاول العمل على التجديد الجزئي للنخب من خلال اسناد المسؤولية لأربعة مسؤولين قضائيين جدد من أصل تسعة، لكن ذلك لا يمنع من تسجيل نفس الملاحظة التي سبق التنبيه لها -في دراسات سابقة- من استمرار تجاهل الكفاءات النسائية الموجودة من التعيينات في مراكز صنع القرار. فلم يتم تعيين أي امرأة قاضية في منصب المسؤولية خلال هذا الشطر من دورة ماي، مما يطرح أكثر من سؤال حول شروط ومعايير التعيين في هذه المناصب، والأساس الذي يتم بموجبه تقديم الأسماء المقترحة، في ظل غياب الاعلان المسبق عن لائحة المناصب الشاغرة أو الشروط الواجبة في المرشحين لها.

من جهة أخرى يطرح سؤال حول مدى استشارة المجلس للقضاة المعينين في مراكز صنع القرار. وما يدفع لطرح مثل هذا التساؤل هو استمرار حالات الطلبات المقدمة من طرف عدد من القضاة للإعفاء من المسؤولية لأسباب اجتماعية وصحية بل واضيفت اليها مؤخرا الأسباب المادية، فضلا عن تسجيل بعض حالات عدم الالتحاق في وقت سابق.فهل فعلا يستشير المجلس الأعلى للقضاء القضاة المعنيين بالأمر قبل تعيينهم في مراكز صنع القرار، أم يكتفي باستشارة المسؤوليين القضائيين في المحاكم التي يعملون بها؟ ثم هل المسؤولية القضائية اختيار أم اجبار؟
 
2- الملفات التأديبية للقضاة وحاجز الصمت من جديد
عكس الدورات الأخيرة للمجلس الاعلى للقضاء التي تم فيها كسر حاجز الصمت عن بعض الملفات التأديبية للقضاة التي خرجت إلى العلن وحظيت بتتبع اعلامي وحقوقي وشعبي كبير لا سيما بعد انضمام عدد من الجمعيات المهنية القضائية وحضور عدد من أعضائها كمؤازرين في فريق الدفاع ضمن ما بات يعرف بملفات "قضاة الرأي"، ساد صمت غريب في هذا الشطر من الدورة في هذا الشأن. فازاء العقوبات التأديبية "القاسية" المتخذة في حق عدد من قضاة الرأي الذين اختاروا العلنية،  تقرر على ما يبدو الركون من جديد لمبدأ السرية ووجوب ابقاء الملفات التأديبية بعيدا عن أي تتبع اعلامي تفاديا لأي حرج محتمل لكل الأطراف. ووفق البلاغ المقتضب الصادر عن وزارة العدل والحريات يلاحظ أن عدد القضاة الذين مثلوا أمام المجلس الأعلى للقضاء في اطار مساطر تأديبية بسبب ما نسب إليهم من اخلالات مهنية وسلوكية بلغ 15 قاضيا، أصبحت ملفاتهم جاهزة، حيث تراوحت المخالفات المنسوبة اليهم بين :عدم الحفاظ على صفات الوقار والكرامة التي تتطلبها مهامهم القضائية؛ الاخلال بواجب الشرف والوقار والكرامة؛ العجز عن تبرير مقنع لمصدر الثروة؛ والاخلال بالواجب المهني.

وقد تنوعت العقوبات المتخذة في حقهم، حيث تم عزل 3 قضاة يشتبه تورطهم في قضايا انحراف أو فساد،والإقصاء المؤقت عن العمل لـ 4 قضاة من أجل مخالفات مهنية جسيمة؛والتوبيخ لقاض واحد من أجل مخالفة لا تتسم بالجسامة، والبراءة في حق 7 قضاة، وذلك في مخالفات ارتكبت بدون قصد أو في حالة التبرئة من أي مخالفة.

ورغم أن المجلس الاعلى للقضاء حاول تحديد معايير للبت في الملفات التأديبية المذكورة، فإن الاشكال يطرح حول طبيعة الضمانات الممنوحة للقضاة خلال المسطرة التأديبية لا سيما على مستوى حق الطعن المخول اليهم طبقا لدستور 2011 الذي لا يزال يفتقد لأية اجراءات في ظل تأخر تنزيل القوانين اللازمة، فضلا عن الاشكالات المتعلقة بغياب السند القانوني لبعض المتابعات التأديبية وغياب تصور واضح لمفهوم الخطأ المهني الجسيم الموجب للمسؤولية التأديبية وكذا ضبابية تطبيق مبدأ التناسب بين الخطأ والعقوبة.

وفي هذا السياق، يلاحظ أن وزارة العدل تراجعت عن قرارها السابق بنشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات بالعزل في اطار ما اعتبرته تنزيلا من طرفها لميثاق اصلاح منظومة العدالة، الشيء الذي أثار تحفظات من طرف جمعيات القضاة لكون نشر الأسماء قبل صيرورة هذه القرارات نهائية يعتبر استباقا للطعون القضائية واساءة متعمدة لمراكز المعنيين بالأمر الذين يبقى له الحق في التمتع بقرينة البراءة واستيفاء الحقوق التي يكفلها لهم القانون كمواطنين وأبسطها الحق في التقاضي.
 
3– انتقالات القضاة تكرس الاستثناء
رغم أن جدول أعمال هذه الدورة المعلن عنه خلال شهر نونبر من سنة 2014 لم يتضمن الشق المتعلق بالانتقالات توصل المجلس ب 508 طلب انتقال، تقرر تأخير البت فيها إلى حين تخرج الفوج 39 من الملحقين القضائيين. وهذا الأمر يؤكد مبدئيا استمرار المجلس في مزاولة مهامه رغم انتهاء ولاية أعضائه تطبيقا للفصل 178 من الدستور. وبالرغم من كل هذا، قرّر البت في بعض الطلبات التي اعتبرها تكتسي صبغة آنية ومستعجلة، من بينها طلبات عدد من القاضيات اللواتي يرغبن في الانتقال إلى محاكم توجد بمدن يقيم فيها أزواجهن أو قريبة منها، فضلا عن طلبات متعلقة بأسباب صحية.

وفي هذا السياق نسجل بأسف كبير استمرار تجاهل المجلس الأعلى للقضاء لمقاربة النوع الاجتماعي واستمرار التمييز بين القضاة من حيث الجنسين وهو تمييز غير ايجابي، حيث لا يزال المجلس الاعلى للقضاء يرفض طلبات الأزواج الرامية إلى الالتحاق بزوجاتهم ويقبل فقط طلبات الزوجات الهادفة للالتحاق بأزواجهن اعتمادا على تفسير محافظ لواجب المساكنة الشرعية ولرعاية الأسرة. فرغم أن مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004 تقر بمبدأ المسؤولية المشتركة للزوجين في تحمل شؤون أسرتهما، ما يزال المجلس يقر بشكل ضمني سياسة أولوية التحاق الزوجة بزوجها وعدم امكانية التحاق الزوج بزوجته وهو توجه يتنافى مع روح دستور 2011 الذي أقر مبدأ المناصفة والمساواة بين الجنسين.
من جهة أخرى، لا بدّ من الوقوف على ما تضمنه بيان وزارة العدل بخصوص التعيينات في بعض محاكم الاسئناف. فقد أشار البيان إلى أنه قد عرضت على المجلس الأعلى للقضاء وضعية بعض محاكم الاستئناف التي أصبحت تعاني من نقص في عدد القضاة العاملين بها بسبب احالة بعضهم على التقاعد أو تزايد عدد القضايا، ويتعلق الأمر بمحاكم الاستئناف بكل من: الرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، ومكناس. ووفق بيان وزارة العدل، يلاحظ أنه تم التعامل مع هذه المسألة باعتماد مسطرة جديدة حيث استمع المجلس إلى الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف المذكورة الذين قدموا عروضا حول النقص الذي تعانيه هذه المحاكم والمشاكل التي تعاني منها بسبب ذلك أو تخصص البعض منهم في البت في قضايا معينة. وعرضت في هذا الصدد لائحة بأسماء القضاة الراغبين في العمل بهذه المحاكم والذين تم الاتفاق على امكان تعيينهم فيها بين الرؤساء الأولين ورؤساء المحاكم الابتدائية الواقعة بنفس المدن التي توجد بها محاكم الاستئناف المذكورة. وبعد موافقة القضاة المعنيين بالأمر والاطلاع على ملفاتهم اقترح المجلس تعيينهم بتلك المحاكم. وهكذا تم تعيين:

15 قاضيا كمستشارين بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء؛

4 قضاة كمستشارين بمحكمة الاستئناف بالرباط؛

قاضيين كمستشارين بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة؛

قاضية كمستشارة بمحكمة الاستئناف بمكناس؛

والسؤال الذي يمكن طرحه بخصوص هذا المستجد هو الأساس القانوني المعتمد عليه لتقرير هذا التوجه الجديد. فهل نحن امام مسطرة جديدة واستثنائية للتعيينات في محاكم الاستئناف؟ كيف تم اعتماد اللوائح التي قدمت للمجلس رغم أنه لم يعلن بشكل مسبق عن المناصب الشاغرة؟ هل أضحى تعيين قضاة محاكم الاستئناف يتم بناء على طلب المسؤولين القضائيين؟ هل المسؤول القضائي هو من يختار تشكيلة القضاة الذين سيعملون في دائرة المحكمة؟ ألا يحتمل وجود شبهة تأثير أو مس باستقلال قضاة الأحكام العاملين في محاكم الاستئناف أمام هذه المسطرة الاستثنائية للتعيينات؟ كيف يعقل أن يتم اقرار هذه المسطرة الاستثنائية في تعيين قضاة محاكم الاستئناف في وقت يطالب فيه القضاة بغل يد المسؤول القضائي على مستوى الجمعيات العمومية وإعمال المقاربة التشاركية منعا لأي شبهة للتأثير المحتمل؟ كيف يتم هدر مبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة وإلغاء حقهم في تقديم طلبات للانتقال من محاكم ابتدائية إلى محاكم استئناف من خلال الالتفاف على المسطرة العادية في البت في طلبات الانتقال والركون إلى مسطرة التوافق بين المسؤول الأعلى والمسؤول الأدنى لاختيار قضاة محاكم الاستئناف؟

وأخيرا .. يلاحظ من جهة أخرى أن المجلس الأعلى للقضاء رخص لعدد من القضاة في الاستمرار في العمل رغم حالة التنافي شريطة ألا يكونوا أعضاء في هيئة واحدة. وهذا الأمر يدفع للتساؤل حول ما إذا كان هذا الترخيص مؤشرا على إمكانية تعميمه ليشمل حالات أخرى يمكن لها أن تتقدم بطلبات جديدة من أجل العمل داخل نفس المحكمة ووفق نفس الشروط المبينة في المادة 24 من النظام الأساسي للقضاة الذي يمنع على الأزواج والأقارب والأصهار إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء الاخوة أن يكونوا بأي صفة كانت قضاة بنفس المحكمة ما عدا في حالة ترخيص من المجلس، أم أن الأمر مجرد استثناء يكرس الطابع الاستثنائي لبعض القرارات التي اتخذها المجلس في الآونة الأخيرة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني