انتفاضة عكّار عينٌ ساهرة على الحدود لمنع التهريب


2020-01-27    |   

انتفاضة عكّار عينٌ ساهرة على الحدود لمنع التهريب

"لا يعني خبر إعلان ولادة الحكومة الجديدة أن ما تشهده عكار من إنتفاضة عارمة وإحتجاجات متكررة سينتهي أو على وشك النهاية، إنما على العكس تماماً هذا الحدث زاد من عزيمتنا في المضي قدماً بإتجاه تحقيق دولةٍ عادلة، خالية من الفساد والمُفسدين" هكذا ختم غيث حمّود الناطق بإسم خيمة اعتصام حلبا بيانها عما فعله ناشطو الخيمة يوم الثلاثاء الماضي في مركز الجمارك. خطوة قال عنها الناشط الآخر في الخيمة فراس عبدلله بأنها "تضاهي بأهميتها طردنا المحافظ من مكتبه". وبالفعل، حقق حراك عكار إنتصاراً يُسجّل له بعد أن إجتمعت المجموعات المنتفضة في المنطقة وأبرزها مجموعة "خيمة إعتصام حلبا" و"مجموعة شباب العبدة" الثلاثاء 22 كانون الثاني وإقتحت مركز جمارك منطقة "العريضة" بحضور مختار ببنين محمد البستاني (المعروف بـ"محمد الرفاعي"). والسبب كان دخول شاحنات لا تحمل  بياناً جمركياً محمّلة بالخضار الممنوع دخولها بحسب الرزنامة الزراعية من سوريا إلى عكار وبدون أن تُفتش من قبل عناصر الجمارك.

فاليوم لم يعد الدخول العشوائي المخالف للقانون للشاحنات الآتية من سوريا والمحمّلة بالخضار المهرّبة مقبولاً في ظل حراك نشط بشكل ملفت في المنطقة. فمجموعة شباب العبدة إعتبروا أنّ الأمر يمسّ بإستقرار منطقتهم مباشرة، فبلدتهم الواقعة على الحدود مع سوريا تشكل الزراعة فيها الركيزة الإقتصادية الأساسية بالإضافة إلى صيد الأسماك. لذلك فإنّ دخول الشاحنات المحمّلة بالمحاصيل الزرعية بهذه الطريقة ليس مخالفاً للقانون فحسب بل ضرباً آخر تقوم به مصلحة الجمارك ضد المزارعين والفلاحين أبناء البلدة الذين يعتمدون على محصولهم الزراعي كمصدر رزقٍ أساسي. ومن جهة أخرى لدى أبناء البلدة والمنطقة مصلحة أمنية يجب أن تكون مصانةً ومحميةً كما قال الناشط من ببنين أحمد البستاني.

خلفية إقتحام مركز الجمارك

بدأ الأمر عندما علم ثوّار منطقة العبدة أنّ الخضار اللبنانية الموجودة في سوق الخضار التابعة لمزارعي المنطقة لا يتمّ تصريفها وباتت قيمتها متدنيّة. وكان ثوار العبدة قد تلقّوا العديد من الشكاوى من المزارعين يتذمّرون فيها عن أحوال محصولهم الزراعي الذي يعاني من منافسة غير قانونية من  بضاعةٍ أخرى  تدخل إلى أسواقهم وتعيق تصريف محصولهم الزراعي الأمر الذي يضرّ بمصلحتهم ويهدد استقرارهم. وسبق لشباب العبدة من قبل أن إتخذوا خطوات تصعيدية، بالتنسيق مع المجموعات المنتفضة الأخرى في عكار هدفت إلى تحصين الأوضاع في منطقتهم قدر الإمكان من خلال محاربة الفساد المستشري على الأرض حيث تابعوا المجريات اليومية في الأسواق مثل مراقبة عمل محلّات الصيرفة والأسعار في السوق والإستماع إلى شكاوى المتضررين والعمل على رصد المخالفات.

وقبل شهرٍ تقريباً قرر ثوار العبدة أن يتخذوا إجراءات عمليّة بحق الشاحنات غير القانونية التي تشحن الخضار من سوريا إلى أسواق عكار. خطوتهم الأولى كانت وقفة إحتجاجية نفذوها على طريق عكار الدولية حملت رسالة تحذيرية إلى أصحاب الشاحنات الذين ينقلون بضاعة مهربة قادمة من سوريا. أساساً وبحسب الرزنامة الزراعية، هنالك أنواع معيّنة من الخضار المسموح بدخولها إلى أسواق المنطقة بسبب عدم توفّرها مثل البندورة والرمان أما المحصول الزراعي الذي تحصده عكار فكل بضاعة من الصنف ذاته تدخل أسواقها من مصدرٍ اَخر تعتبر غير شرعية.

بعد مضي حوالي عشرة أيام على الوقفة الإحتجاجية الأولى قرر شباب العبدة أن يقوموا بخطوةٍ مماثلة بعد أن علموا أن البضاعة المهرّبة ما زالت في الأسواق. قاموا بوقفة إحتجاجية ثانية لكنها حملت طابعاً اَخر، حيث إستطاعوا أن يوقفوا شاحنة مبرّدة محمّلة بالخضار كانت متجهة ليتمّ تفريغها في "سوق الخضار" فطلبوا من صاحب الشاحنة أن يترجّل ويكشف لهم عن المحتويات التي يشحنها. فوجدوا معه أنواعاً من غير المسموح أن تتوافر من مصدرٍ "غير عكاري" مثل الشمندر والفليفلة والخس فمنعوه من الدخول وطلبوا منه أن يعود أدراجه.

واصل الناشطون العكاريون عملهم الرقابي ونفذوا خطوة ثالثة. يروي الناشط أحمد البستاني لـ"المفكرة" "قررنا أن نغيّر مكان إحتجاجنا من الطريق الدولية إلى سوق الخضار الأساسية. إنتظرنا وصول شاحنة محملة بالخضار آتية من سوريا بعد أن سُرّب لنا خبر من مصدر موثوق أنها ستدخل إلى أسواقنا. وعندما وصلت، طلبنا من صاحبها أن يعطينا دفتر الجمارك ولكنّه رد بأنّه ليس بحوزته فطلبنا منه النزول من سيارته وفتح شاحنته لنفتشها فتأكّدنا أنه من المهربين أيضاً".

يوم الإقتحام

يقول فراس عبدلله لـ"المفكرة" إن مجموعة شباب العبدة إتصلوا بأعضاء مجموعة حلبا وإتفقوا على أن ينسّقوا سوياً، كما سبق وحصل في مرّات سابقة. ولكن الهدف الآن هو تصعيد أكبر في عملهم يتمثّل في اقتحام مركز الجمارك وتسليمه إلى قيادة الجيش. يقول أحمد البستاني إنّ "التصويب على هذا المكان هدفه توجيه ضربة قاضية للفساد في هذا القطاع كونه يشكل بؤرته"، موضحاً أنّ السبب وراء الخطوة من شقّين: الأول محاسبة هذا المركز وحتى إغلاقه من الأساس لأنه متواطئ في إدخال هذه الشاحنات التي تضرب سوق عكار وتهدم إقتصاد أهله والثاني لأنّ الشاحنات تدخل أراضي المنطقة بدون أن تفتيش. ويضيف "موضوع الحدود أمر حساس وخطير، إذ ماذا لو كان هنالك محاولة تهريب للأسلحة والمخدرات؟"

اتّفقت المجموعتان يوم الثلاثاء على الدخول إلى مركز الجمارك وطرد العاملين فيه. وهكذا حدث إذ دخل عدد من المتظاهرين إلى المركز وواجهوا المسؤول الأعلى وهو ضابط في الجمارك بالأدلّة التي في حوزتهم على أنّ المركز لا يقوم بعمله ويسمح بدخول بضائع مهرّبة إلى السوق المحلية، فيما حاصر متظاهرون آخرون وعددهم تجاوز الخمسين المركز.  

لاحقاً استلم مختار ببنين المهمة وقاد عملية التفاوض مع عقيد في الجيش اللبناني رفض الإدلاء بإسمه لأسباب أمنية كي يحلّ مكان ضابط الجمارك، ويستلم الجيش كونه سلطة موثوقة. وبالفعل تسلّم الجيش المركز واعداً المتظاهرين بالحفاظ على الأمن وتفتيش الشاحنات قبل دخولها لمنع عمليات التهريب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني